فيلم يقلب الحقائق ...
ذلك المشهد الذي يعكس مدي رقي فكر شوكت و تقديره الصحيح لقيمة و اهمية الحماية الذاتية و انحطاط فكر بطلة الفيلم التي تقوم بدورها الفنانة صباح و التي يفترض أنها تقدم الفكر الحديث المتطور.
لم يقف الأمر عند هذا الحد بل وصل أيضا إلي المزيد من المهاترات و السخافات.
فشوكت كان الوحيد بين الشخصيات القادر علي العزف علي آلة البيانو بإقتدار إلي الحد الذي سمح له بتأليف سيمفونيات كاملة قوبلت بالتهكم أيضا عندما قال له المنتج الموسيقي أن الشعب لن يكون قادرا علي فهم هذا النوع من الموسيقي قبل مرور عشر سنوات علي الأقل و كأن هذا عيبا في شوكت و ليس دليلا علي عبقريته.
شوكت حلمي كان الشخص الوحيد بين الشخصيات الذي لديه مكتبة ضخمة بلغات متعددة و كان يعكف علي القراءة بعكس الشخصيات المحيطة به و التي لم يشير مؤلف الرواية من قريب أو بعيد إلي مستواهم التعليمي باستثناء صديقه الحاصل علي الدكتوراه و الذي تم التنكيل و الاستهزاء به أيضا و لم يظهر أحدهم ممسكا بكتاب أبدا و رغم ذلك جرت السخرية كالعادة من شوكت لعدم إجادته اللغة العربية و اتهامه بالجهل بالرغم من اتقانه عدة لغات أخري بطلاقة و اطلاعه علي العديد من الثقافات.
شوكت حلمي هو الشخص الوحيد الذي كان يحرص علي ممارسة التمارين الرياضية بانتظام في الصباح و الوحيد الذي كان يملك جسدا رياضيا ممشوقا علي عكس باقي الشخصيات سواء من الرجال أو النساء و الذين قد بدت كروشهم متدلية بوضوح و مقاسات ملابسهم غير متناسبة ابدا و بالرغم من ذلك تم تقديم حرص شوكت علي ممارسة الرياضة بطريقة كوميدية ساخرة للتقليل من تلك العادة الصحية لسبب غير مفهوم.
شوكت حلمي هو الشخص الأكثر أناقة و حرصا علي المظهر اللائق و يظهر ذلك في الحرص علي ارتداء الملابس و الألوان الخاصة بكل مناسبة علي عكس باقي الشخصيات و التي بدت عشوائية و غوغائية للغاية.
أما النقطة الأخطر و التي قامت علي اساسها قصة الفيلم و هي أن شوكت كان عاطلا عن العمل و اتهموه بأنه "عاطل بالوراثة".
قبل مصادرة ممتلكات تلك العائلات الفاحشة الثراء و التي كانت تقدر بآلاف الأفدنة و ربما بعض المصانع و الشركات و الأرصدة المالية الضخمة كانت تلك العائلات تحرص علي إعطاء ابنائها أمثال شوكت حلمي مستوي راقي جدا من التعليم يجعله قادرا علي إدارة تلك الإمبراطوريات الإقتصادية العائلية بكفاءة و اقتدار.
و مصادرة أموال العائلة و ممتلكاتها تعني ببساطة انهيار المؤسسة الإقتصادية التي يرأسها شوكت و بالتالي خسارته لوظيفته.
و لا أري سببا لمعايرته الدائمة بالبطالة و التعطل عن العمل فالرجل لم يخسر أمواله في قمار أو اتخذ قرارات مالية خاطئة بل تم انتزاع أملاكه رغما عنه بقوة قاهرة و معايرته الدائمة بالبطالة من شخصيات الفيلم تعكس وضاعتهم و دناءتهم و سوء أخلاقهم و كان رد شوكت علي إساءتهم أنهم مجرد "أوباش" و لم اجد هذا الوصف إلا معبرا عن حالة السفالة العامة التي سادت جميع شخصيات الفيلم.
و بالرغم من كل تلك الصعوبات استطاع شوكت أن يستخدم مواهبه المتعددة من اتقانه لعدة لغات و اناقته و قدرته الفائقة علي القراءة و الإطلاع ليصنع تغيير كامل في نشاطه المهني و يتحول إلي العمل في القطاع السياحي بنجاح منقطع النظير بالرغم من تقدم عمره الواضح و هي الخطوة التي لم يقم بها أي من شخصيات الفيلم الأخري ممن كانوا يداومون علي معايرته.
الفيلم يمثل حالة عجيبة من الإضطهاد الممنهج من قبل مجموعة من الرعاع مكنتهم الظروف السيئة من شخص علي مستوي راقي من العلم و الثقافة و الإبداع و دأبوا علي السخرية منه و اذلاله دون رحمة.
الفيلم كارثة بكل المقاييس و سيبقي دليل علي العار و معول من معاول الهدم لكل ما كان جميل في ذلك الزمن.
جدير بالذكر أن الرئيس السادات كان قد أعاد بعض ما تم نهبه لتلك العائلات في وقت لاحق و بعضها كان قادرا علي النهوض بامبراطوريات اقتصادية مرة أخري.
الفيلم من إنتاج عام ١٩٦٣ عن رواية تحمل ذات الإسم كتبها توفيق الحكيم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق