organisation development consultant and managerial science trainer

صورتي
Business administration and organization development expert and consultant

الخميس، 17 أكتوبر 2019

الأزمات والاداره


الأزمات والإدارة

أ.د ناصــر خالــــد 
استاذ اداره الاعمال 
استشاري التطوير التنظيمي وتنميه الموارد البشريه









الأزمة Crisis

المقدمة:
مفهوم الأزمة من المفاهيم الواسعة الانتشار في المجتمع المعاصر، حيث أصبح يمس بشكل أو بآخر كل ل الحياة بدءاً من الأزمات التي تواجه الفرد مروراً بالأزمات التي تمر بها الحكومات والمؤسسات وانتهاءً بالأزمات الدولية.
 بل إن مصطلح الأزمة أصبح من المصطلحات المتداولة على جميع الأصعدة وفي مختلف المستويات الاجتماعية.
وعالم الأزمات عالم حي ومتفاعل، عالم له أطواره، وله خصائصه، وأسبابه، تتأثر به الدولة أو الحكومة فيتأثر به أصغر كائن موجود في المجتمع البشري.
ولما للأزمات ومواجهتها من أهمية كبيرة تتطلب المواجهة... فعليه سيقوم الباحث بتوضيح مفهوم الأزمة، وخصائصها، ومراحل تطورها، وأسبابه نشوئها، وأنواعها.

مفهوم الأزمة: 
لا يختلف اثنان في أن الأزمات جزء رئيس في واقع الحياة البشرية والمؤسسية، وهذا يدفع إلى التفكير بصورة جدية في كيفية مواجهتها والتعامل معها بشكل فعال يؤدي إلى الحد من النتائج السلبية لها، والاستفادة إن أمكن من نتائجها الإيجابية.
وحيث أن بعض الباحثين من عرف الأزمة بالمفهوم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي حيث أشار إلى ذلك بقوله: 
يقصد بالأزمة من الناحية الاجتماعية: " توقف الأحداث المنظمة والمتوقعة واضطراب العادات مما يستلزم التغيير السريع لإعادة التوازن، ولتكوين عادات جديدة أكثر ملائمة".
أما الأزمة من الناحية السياسية: " حالة أو مشكلة تأخذ بأبعاد النظام السياسي وتستدعي اتخاذ قرار لمواجهة التحدي الذي تمثله سواءً كان إدارياً، أو سياسياً، أو نظامياً، أو اجتماعياً، أو اقتصاديا، أو ثقافياً".
ومن الناحية الاقتصادية فهي تعني:" انقطاع في مسار النمو الاقتصادي حتى انخفاض الإنتاج أو عندما يكون النمو الفعلي أقل من النمو الاحتمالي".
وسوف يقوم الباحث بتقصي المعاني اللغوية والاصطلاحية اللازمة ومن ثم مفاهيمها وذلك على النحو التالي: 
الأزمة لغةً: تعني الشدة والقحط، والأزمة هو المضيق، ويطلق على كل طريق بين جبلين مأزم.
ومصطلح الأزمة ( Crisis) مشتق أصلاً من الكلمة اليونانية (KIPVEW ) أي بمعنى لتقرر (To decide).
أما اللغة الصينية فقد برعت إلى حد كبير في صياغة مصطلح الأزمة... إذ ينطقونه ( Ji-Wet) وهي عبارة عن كلمتين: الأولى تدل على ( الخطر ) والأخرى تدل على (الفرصة) التي يمكن استثمارها، وتكمن البراعة هنا في تصور إمكانية تحويل الأزمة وما تحمله من مخاطر إلى فرصة لإطلاق القدرات الإبداعية التي تستثمر الأزمة كفرصة لإعادة صياغة الظروف وإيجاد الحلول السديدة.
أما الأزمة اصطلاحا: فهي " حالة توتر ونقطة تحول تتطلب قراراً ينتج عنه مواقف جديدة سلبية كانت أو إيجابية تؤثر على مختلف الكيانات ذات العلاقة".
ويعرف قاموس رندام الأزمة بأنها:" ظرف انتقالي يتسم بعدم التوازن ويمثل نقطة تحول تحدد في ضوئها أحداث المستقبل التي تؤدي إلى تغيير كبير".
كما يعرفها فليبس بأنها" حالة طارئة أو حدث مفاجئ يؤدي إلى الإخلال بالنظام المتبع في المنظمة، مما يضعف المركز التنافسي لها ويتطلب منها تحركاً سريعاًً واهتماماً فورياً، وبذلك يمكن تصنيف أي حدث بأنه أزمة اعتمادا على درجة الخلل الذي يتركه هذا الحدث في سير العمل الاعتيادي للمنظمة".
ويعرف رضا رضوان الأزمة بأنها:" فترة حرجة أو حالة غير مستقرة تنتظر تتدخلاً أو تغييراً فورياً". 
كما أن الأزمة تعني : " نقطة تحول، أو موقف مفاجئ يؤدي إلى أوضاع غير مستقرة، وتحدث نتائج غير مرغوب فيها، في وقت قصير، ويستلزم اتخاذ قرار محدد للمواجهة في وقت تكون فيه الأطراف المعنية غير مستعدة، أو غير قادرة على المواجهة ".
ويعرفها بيبر ( Bieber) بأنها:" نقطة تحول في أوضاع غير مستقرة يمكن أن تقود إلى نتائج غير مرغوب فيها إذا كانت الأطراف المعنية غير مستعدة أو غير قادرة على احتوائها أو درء مخاطرها.
أما وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق هنري كيسنجر فاعتبر الأزمة بأنها: " عرضاً Symptom لوصول مشكلة ما إلى المرحلة السابقة مباشرة على الانفجار، مما يقتضي ضرورة المبادرة بحلها قبل تفاقم عواقبها".
مما سبق وباستقراء تعريفات الأزمة في أدبيات الإدارة يتضح وجود عناصر مشتركة تشكل ملامح الأزمة وتتمثل في: 
وجود خلل وتوتر في العلاقات.
الحاجة إلى اتخاذ قرار.
عدم القدرة على التنبؤ الدقيق بالأحداث القادمة.
نقطة تحول إلى الأفضل أو الأسوأ.
الوقت يمثل قيمة حاسمة.
وقد عرف الباحث الأزمة - وتأسيساً على ما تقدم - بأنها:" حالة غير عادية تخرج عن نطاق التحكم والسيطرة وتؤدي إلى توقف حركة العمل أو هبوطها إلى درجة غير معتادة، بحيث تهدد تحقيق الأهداف المطلوبة من قبل المنظمة وفي الوقت المحدد".
ولا شك أن هناك الكثير من المفاهيم الشائعة والتي قد تتشابه مع الأزمة في بعض خصائصها ولكنها في واقع الأمر ليست أزمة ونذكر منها على سبيل المثال: 
أ_ مفهوم الكارثة: Disaster
الكارثة من كرث ... بمعنى الغم، تقول: فلان اشتد عليه وبلغ منه المشقة، والكارث هو الأمر المسبب للغم الشديد.
أما قاموس أكسفورد ، فقد عرف الكارثة Disaster  بأنها: " حدث يسبب دماراً واسعاً ومعاناةً عميقةً، وهو سوء حظ عظيم".
أما السيد عليوة، فقد قال بأن الكارثة: هي أحد أكثر المفاهيم التصاقاً بالأزمات، وقد ينجم عنها أزمة، ولكنها لا تكون هي أزمة بحد ذاتها، وتعبر الكارثة عن حالة مدمرة حدثت فعلاً ونجم عنها ضرر في الماديات أو كليهما معاً.
أما عبد الوهاب محمد كامل فقد عرف الكارثة بأنها: " حدث مروع يصيب قطاعاً من المجتمع أو المجتمع بأكمله بمخاطر شديدة وخسائر مادية وبشرية، ويؤدي إلى ارتباك وخلل وعجز في التنظيمات الاجتماعية في سرعة الإعداد للمواجهة، وتعم الفوضى في الأداء  وتضارب في الأدوار على مختلف المستويات."
وعلى ما تقدم نستطيع أن نجمل أهم الفروقات بين مفهومي الأزمة والكارثة على النحو التالي: 
الأزمة أعم وأشمل من الكارثة، فكلمة الأزمة تعني الصغيرة منها والكبيرة، المحلية والخارجية، أما الكارثة فمدلولها ينحصر في الحوادث ذات الدمار الشامل والخسائر الكبيرة في الأرواح والممتلكات.
للأزمات مؤيدون داخلياً وخارجياً، أما الكوارث وخاصة الطبيعية منها فغالباً لا يكون لها مؤيدون.
في الأزمات نحاول اتخاذ قرارات لحل تلك الأزمات، وربما ننجح وربما نخفق، أما في الكارثة فإن الجهد غالباً ما يكون بعد وقوع الكارثة وينحصر في التعامل معها.
ب- مفهوم الصراع والنزاع: Conflict And Dispute
وهو يعبر عن تصادم إرادات وقوى معينة بهدف تحطيم بعضها البعض كلياً أو جزئياً والانتهاء بالسيطرة والتحكم في إدارة الخصم.
كما ويركز مفهوم الصراع على العلاقات الاجتماعية بين الأفراد وينشأ نتيجة وجود تعارض في الأهداف أو المصالح أو التصرفات بين الأفراد والقيادات داخل الكيانات التنظيمية والاجتماعية المختلفة.
أما سعود عابد فقد عرف الصراع بأنه:" تضارب المصالح والمبادئ والأفكار"، كما وقسمه إلى ثلاثة أقسام: 
الصراع الخفيف الحدة.
الصراع متوسط الحدة.
الصراع شديد الحدة.
ج- مفهوم المشكلة: Problem
تعبر عن الباعث الرئيسي الذي يسبب حالة ما من الحالات غير المرغوب فيها، وتحتاج عادة إلى جهد منظم للتعامل معها وحلها، وقد تؤدي إلى وجود أزمة ولكنها ليست بذاتها أزمة.
د- مفهوم الحادث: Accident
وقد عرفه كل من السيد عليوة وحواش بأنه:" شيء مفاجئ عنيف تم بشكل سريع وانقضى أثره فور إتمامه وقد نجم عنه أزمة لكنها لا تمثله فعلاً وإنما تكون فقط أحد نتائجه".

خصائص الأزمة: 
وحتى يمكن التعامل مع الموقف الخطير الذي يواجه الكيان الإداري على أنه يشكل أزمة فلابد أن يتوافر فيه مجموعة من الخصائص.
 ويرى بعض العلماء أن الأزمات تتسم بالخصائص التالية: 
في رأي لويس كمفورت L . Komfort فإن هناك ثلاث خصائص للأزمة تؤدي إلى إعاقة التعامل معها ومعالجتها وهي: 
عامل الشك أو عدم التأكد :  Uncertainty.
عامل التفاعل: Interaction.
عامل التشابك والتعقيد: Complexity.
ويضيف الصباغ إلى الخصائص السابقة:أن الأزمة تساعد على ظهور أعراض سلوكية مرضية مثل" القلق، فقدان العلاقات الاجتماعية، شيوع اللامبالاة، وعدم الانتماء."
أما السيد عليوة فيرى أن أهم خصائص الأزمات ما يلي: 
نقطة تحول تتزايد فيها الحاجة إلى الفعل المتزايد ورد الفعل المتزايد لمواجهة الظروف الطارئة.
تتميز بدرجة عالية من الشك في القرارات المطروحة.
يصعب فيها التحكم في الأحداث.
تسود فيه ظروف عدم التأكد ونقص المعلومات ومديرو الأزمة يعملون في جو من الريبة والشك والغموض وعدم وضوح الرؤية.
ضغط الوقت والحاجة إلى اتخاذ قرارات صائبة وسريعة مع عدم وجود احتمال للخطأ لعدم وجود الوقت لإصلاح هذا الخطأ.
التهديد الشديد للمصالح والأهداف، مثل انهيار الكيان الإداري أو سمعة وكرامة متخذ القرار.
المفاجأة والسرعة التي تحدث بها، ومع ذلك قد تحدث رغم عدم وجود عنصر المفاجأة.
التداخل والتعدد في الأسباب والعوامل والعناصر والقوى المؤيدة والمعارضة، والمهتمة وغير المهتمة... واتساع جبهة المواجهة. 
سيادة حالة من الخوف والهلع قد تصل إلى حد الرعب وتقييد التفكير.

مراحل تطور الأزمة: 
تمر الأزمة باعتبارها ظاهرة اجتماعية بدورة حياة ، مثلها في هذا مثل أي كائن حي، وهذه الدورة تمثل أهمية قصوى في متابعتها والإحاطة بها من جانب متخذ القرار الإداري.
فكلما كان متخذ القرار سريع التنبه في الإحاطة ببداية ظهور الأزمة، أو بتكون عواملها كلما كان أقدر على علاجها والتعامل معها، وذلك للحد من آثارها وما ينتج عنها من انعكاسات سلبية.
ويرى الخضيري أن هناك خمس مراحل رئيسية لتطور الأزمة هي: 
مرحلة الميلاد: 
وفي هذه المرحلة تبدأ الأزمة الوليدة في الظهور لأول مرة في شكل (إحساس) مبهم قلق بوجود شيء ما يلوح في الأفق، وينذر بخطر غريب غير محدد المعالم أو الاتجاه أو الحجم أو المدى الذي سيصل إليه.
والأزمة غالباً لا تنشأ من فراغ وإنما هي نتيجة لمشكلة ما لم يتم معالجتها بالشكل الملائم.
ومن هنا يكون إدراك متخذ القرار وخبرته ومدى نفاذ بصيرته ، هي العوامل الأساسية في التعامل مع الأزمة في مرحلة الميلاد، ويكون محور هذا التعامل هو " تنفيس الأزمة " وإفقادها مرتكزات النمو، ومن ثم تجميدها أو القضاء عليها في هذه المرحلة دون أن تحقق أي خسارة أو دون أن تصل حدتها إلى درجة الصدام العنيف.
وتكون عملية التنفيس في محورها العام هي: 
خلق محور اهتمام جديد يغطي على الاهتمام بالأزمة، ويحولها إلى شيء ثانوي لا قيمة له.
معرفة أين تكمن عواملها والتعامل معها بالعلاج الناجح للقضاء على أسباب التوتر الذي انشأ الأزمة.
امتصاص قوة الدفع المحركة للأزمة وتشتيت جهودها في نواح أخرى.
مرحلة النمو والاتساع:
وتنشأ نتيجة لعدم معالجة المرحلة الأولى – الميلاد – في الوقت المناسب، حيث تأخذ الأزمة في النمو والاتساع من خلال نوعين من المحفزات هما : 
مغذيات ومحفزات ذاتية مستمدة من ذات الأزمة تكونت معها في مرحلة الميلاد.
مغذيات ومحفزات خارجية استقطبتها الأزمة وتفاعلت معها وبها، وأضافت إليها قوة دفع جديدة، وقدرة على النمو والاتساع.
وفي تلك المرحلة يتعاظم الإحساس بالأزمة ولا يستطيع متخذ القرار أن ينكر وجودها أو يتجاهلها نظراً لوجود ضغط مباشر يزداد ثقله يوماً بعد يوم، فضلاً عن دخول أطراف جديدة إلى مجال الإحساس بالأزمة سواءً لان خطرها امتد إليهم أو لخوفهم من نتائجها أو من أن خطرها سوف يصل إليهم.
وفي هذه المرحلة يكون على متخذ القرار التدخل من أجل إفقاد الأزمة روافدها المحفزة والمقوية لها على النحو التالي: 
تحييد وعزل العناصر الخارجية المدعمة للأزمة، سواءً باستقطابها، أو خلق تعارض مصالح بينها وبين استفحال الأزمة. 
تجميد نمو الأزمة بإيقافها عند المستوى الذي وصلت إليه وعدم السماح بتطورها، وذلك عن طريق استقطاب عوامل النمو الذاتي التي حركت الأزمة.
مرحلة النضج: 
تعد من أخطر مراحل الأزمة، ومن النادر أن تصل الأزمة إلى مثل هذه المرحلة، وتحدث عندما يكون متخذ القرار الإداري على درجة كبيرة من الجهل والتخلف والاستبداد برأيه وانغلاقه على ذاته أو إحاطة هذه الذات بالقدسية والتأليه، وبحاشية من المنافقين الذين يكيلون له المديح ويصورون له أخطاءه حسنات.. وبذلك تصل الأزمة إلى أقصى قوتها وعنفها، وتصبح السيطرة عليها مستحيلة ولا مفر من الصدام العنيف معها. وهنا قد تكون الأزمة بالغة  الشدة ، شديدة القوة تطيح بمتخذ القرار وبالمؤسسة أو المشروع الذي يعمل فيه، أو أن يكون متخذ القرار قد استطاع بدهاء تحويل اتجاه الأزمة إلى كبش فداء، وهمي، تتفتت الأزمة عنده، وتنتهي باستقطاب عناصر القوة فيها والسيطرة عليهم بشكل أو بآخر.
مرحلة الانحسار والتقلص: 
تبدأ الأزمة بالانحسار والتقلص نتيجة للصدام العنيف الذي تم اتخاذه والذي يفقدها جزءاً هاماً من قوتها......
 على أن هناك بعض الأزمات تتجدد لها قوة دفع أخرى، عندما يفشل الصدام في تحقيق أهدافه وتصبح الأزمات في هذه الحالة كأمواج البحر، موجة تندفع وراء موجة.
مرحلة الاختفاء: 
وتصل الأزمة إلى هذه المرحلة عندما تفقد بشكل شبه كامل قوة الدفع المولدة لها أو لعناصرها حيث تتلاشى مظاهرها وينتهي الاهتمام بها والحديث عنها، إلا أنه من الضرورة الاستفادة من الدروس المستفادة منها لتلافي ما قد يحدث مستقبلا من سلبيات. 
والحقيقة أن الانحسار للأزمة يكون دافعاً للكيان الذي حدثت فيه لإعادة البناء وليس لإعادة التكيف، فالتكيف يصبح أمراً مرفوضاً وغير مقبول لأنه سيبقى على آثار ونتائج الأزمة بعد انحسارها، أما إعادة البناء فيتصل أساساً بعلاج هذه الآثار والنتائج ومن ثم استعادة فاعلية الكيان وأدائه وإكسابه مناعة أو خبرة في التعامل مع أسباب ونتائج هذا النوع من الأزمات.
ويرى أحمد عز الدين أن الأزمة تمر بخمس مراحل هي : 
مرحلة الحضانة: وهي المرحلة التي تمهد لوقوع الأزمة ، وهذه المرحلة إذا ما تم تبيينها واستيعابها وإدراكها إدراكاً كاملاً كان التعامل مع الأزمة سهلاً. 
مرحلة الاجتياح: وهي مرحلة بداية الأزمة الفعلية، وهي بلا شك أصعب أوقات التعامل مع الأزمة.
مرحلة الاستقرار: وهي المرحلة التي تبدو فيها أبعاد الأزمة، ويتم تطبيق الخطط  والإستراتيجيات الخاصة بإدارة الأزمة.
مرحلة الانسحاب: وهي المرحلة التي تبدأ فيها الأزمة في التلاشي وتمتد حتى تنتهي تماماً. 
مرحلة التعويض: وهي المرحلة التي تتم فيها عملية التقويم وتلافي الآثار.

أسباب نشوء الأزمة:
 لكل أزمة مقدمات تدل عليها، وشواهد تشير إلى حدوثها، ومظاهر أولية، ووسطى، ونهائية تعززها... ولكل حدث أو فعل تداعيات وتأثيرات، وعوامل تفرز مستجدات، ومن ثم فإن حدوث المقدمات، ليس إلا شواهد قمة جبل جليد، تخفي تحتها قاعدة ضخمة من الجليد ومن المتواليات والتتابعات.

وأيا ما كان فإن هناك أسباباً مختلفة لنشوء الأزمات يظهرها لنا الشكل التالي: 

شكل (1)
أسباب نشوء الأزمات














المصدر: الخضيري، محسن أحمد:" إدارة الأزمات: علم امتلاك كامل القوة في أشد لحظات الضعف"، القاهرة، مجموعة النيل العربية، ط2، 2002م، ص (66).





ويمكن إيضاح تلك الأسباب على النحو التالي: 
سوء الفهم: 
وينشأ سوء الفهم عادة من خلال جانبين هامين هما: 
المعلومات المبتورة.
التسرع في إصدار القرارات أو الحكم على الأمور قبل تبين حقيقتها، سواء تحت ضغط الخوف والقلق والتوتر أو نتيجة للرغبة في استعجال النتائج.
من الأمثلة على سوء الفهم قصة أحد الصحابة الذي أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم لجمع الزكاة من إحدى القبائل- وكان من عادة أهل هذه القبيلة أن يخرجوا لاستقبال ضيوفهم وهم يحملون كامل أسلحتهم وسيوفهم مشرعة في أيديهم يلوحون بها تحية للضيف- فلما رآهم هذا الصحابي ، وكان بينه وبينهم في الجاهلية ثأر وعداوة ، ظن أنهم خارجون لمحاربته، فما كان منه إلا أن عاد أدراجه وجلاً و خائفاً، مخبراً الرسول ( ص ) بأنهم منعوا عنه الزكاة، وأنهم خرجوا لمحاربته وكادوا يقتلونه لولا أنه هرب منهم .. وكانت أزمة .. استعد الرسول صلى الله عليه وسلم خلالها لمحاربة هذه القبيلة، لولا أن أدركه أهلها ليخبروه بالحقيقة وانتهت الأزمة.. والتي أورد الله فيها قرآنا ً" يا أيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين". 
سوء الإدراك: 
الإدراك يعد أحد مراحل السلوك الرئيسية حيث يمثل مرحلة استيعاب المعلومات التي أمكن الحصول عليها والحكم التقديري على الأمور من خلالها، فإذا كان هذا الإدراك غير سليم نتيجة للتشويش الطبيعي أو المتعمد يؤدي بالتالي إلى انفصام العلاقة بين الأداء الحقيقي للكيان الإداري وبين القرارات التي يتم اتخاذها، مما يشكل ضغطاً من الممكن أن يؤدي إلى انفجار الأزمة.
ومشكلة أخرى بالنسبة للمعلومات هي محاولة تفسيرها على ضوء رغبات المرء الشخصية، أو ما يعرف باسم منطق الميول النفسية Psycho Logic فيتقبل المرء من هذه المعلومات ما يوافق هواه ويتفق مع تطلعاته، ويتجاهل من هذه المعلومات ما يخالف رغباته، ومن ثم يسعى لاختلاق المبررات للمعلومات التي تجد هوى في نفسه، كما يتفنن في إيجاد الذرائع لاستبعاد المعلومات التي تتناقض مع مفاهيمه الأساسية، ومن ثم يأتي تفسيره للأزمات مشوباً بنظرة شخصية ضيقة.
سوء التقدير والتقييم:
 يعد سوء التقدير والتقييم من أكثر أسباب حدوث الأزمات في جميع المجالات وعلى وجه الخصوص في المجالات العسكرية.
 وينشأ سوء التقدير الأزموي من خلال جانبين أساسيين هما: 
المغالاة والإفراط في الثقة سواءً في النفس أو في القدرة الذاتية على مواجهة الطرف الآخر والتغلب عليه.
سوء تقدير قوة الطرف الآخر والاستخفاف به واستصغاره والتقليل من شأنه.
وتعد حرب أكتوبر 1973م أحد الأمثلة القوية على هذا السبب/ خاصة عندما توافرت لدى كل من الولايات المتحدة وإسرائيل المعلومات الكاملة عن الحشود المصرية والسورية العسكرية، ولكنها تحت وهم وغطرسة القوة وخداع النفس العنصري الإسرائيلي، وأسطورة الجيش الذي لا يقهر، اطمأنت إلى أن المصريين والسوريين لن يقدموا على شيء ذي أهمية، ومن ثم كان الهجوم المصري السوري المشترك مذهلاً وصادماً.
الإدارة العشوائية: 
ويطلق عليها مجازاً إدارة، ولكنها ليست إدارة، بل هي مجموعة من الأهواء والأمزجة التي تتنافى مع أي مبادئ علمية، وتتصف بالصفات الآتية: 
عدم الاعتراف بالتخطيط وأهميته وضرورته للنشاط. 
عدم الاحترام للهيكل التنظيمي.
عدم التوافق مع روح العصر.
سيطرة النظرة الأحادية السوداوية.
قصور التوجيه للأوامر والبيانات والمعلومات وعدم وجود التنسيق.
عدم وجود متابعة أو رقابة علمية وقائية وعلاجية.
ويعد هذا النوع من الإدارة الأشد خطراً لما يسببه للكيان الإداري من تدمير لإمكانياته وقدراته، ولعل هذا ما يفسر لنا أسباب أزمات الكيانات الإدارية في دول العالم الثالث التي تفتقر إلى الرؤية المستقبلية العلمية والتي لا تستخدم التخطيط العلمي الرشيد في إدارة شئونها وتطبق أنماطاً إدارية عشوائية شديدة التدمير والخراب.
 الرغبة في الإبتزاز: 
تقوم جماعات الضغط، وأيضاً جماعات المصالح باستخدام مثل هذا الأسلوب وذلك من أجل جني المكاسب غير العادلة من الكيان الإداري، وأسلوبها في ذلك هو صنع الأزمات المتتالية في الكيان الإداري، وإخضاعه لسلسلة متوالية من الأزمات التي تجبر متخذ القرار على الانصياع لهم.
 اليأس: 
ويعد من أخطر مسببات الأزمات فائقة التدمير، حيث يعد اليأس في حد ذاته أحد " الأزمات " النفسية والسلوكية والتي تشكل خطراً داهماً على متخذ القرار.
 ومع ذلك ينظر إلى اليأس على أنه أحد أسباب نشوء الأزمات، بما أن اليأس يسبب الإحباط مما يترتب عليه فقدان متخذ القرار الرغبة في التطوير والاستسلام للرتابة، مما يؤدي إلى انفصام العلاقة بين الفرد والكيان الإداري الذي يعمل من خلاله، وتبلغ الأزمة ذروتها عندما تحدث حالة " انفصام " وانفصال بين مصلحة العامل أو الفرد الذاتية وبين مصلحة " الكيان الإداري" الذي يعمل فيه.
 الإشاعات: 
من أهم مصادر الأزمات، بل إن الكثير من الأزمات عادة ما يكون مصدرها الوحيد هو إشاعة أطلقت بشكل معين...، وتم توظيفها بشكل معين، وبالتالي فإن إحاطتها بهالة من المعلومات الكاذبة، وإعلانها في توقيت معين، وفي إطار مناخ وبيئة محددة، ومن خلال حدث معين يؤدي إلى أن تنفجر الأزمة.

 استعراض القوة: 
وهذا الأسلوب عادة ما يستخدم من قبل الكيانات الكبيرة أو القوية ويطلق عليه أيضاً مصطلح " ممارسة القوة " واستغلال أوضاع التفوق على الآخرين سواء نتيجة الحصول على قوة جديدة أو حصول ضعف لدى الطرف الآخر أو للاثنين معاً.
ويبدأ بعملية استعراضية خاطفة للتأثير على مسرح الأحداث دون أن يكون هناك حساب للعواقب، ثم تتدخل جملة عوامل غير منظورة فتحدث الأزمة، ومن ثم تتفاقم مع تتابع الأحداث وتراكم النتائج.
 الأخطاء البشرية: 
وتعد الأخطاء البشرية من أهم أسباب نشوء الأزمات سواءً  في الماضي أو الحاضر أو المستقبل، وتتمثل تلك الأخطاء في عدم كفاءة العاملين، واختفاء الدافعية للعمل، وتراخي المشرفين، وإهمال الرؤساء ، وإغفال المراقبة والمتابعة، وكذلك إهمال التدريب.
ومن الأمثلة على الأزمات الناتجة عن الأخطاء البشرية، حادثة تشرنوبيل، وحوادث اصطدام الطائرات في الجو.
الأزمات المخططة:
حيث تعمل بعض القوى المنافسة للكيان الإداري على تتبع مسارات عمل هذا الكيان، ومن خلال التتبع تتضح لها الثغرات التي يمكن أحداث أزمة من خلالها. 
تعارض الأهداف: 
عندما تتعارض الأهداف بين الأطراف المختلفة يكون ذلك مدعاة لحدوث أزمة بين تلك الأطراف خصوصاً إذا جمعهم عمل مشترك، فكل طرف ينظر إلى هذا العمل من زاويته، والتي قد لا تتوافق مع الطرف الأخر. 
تعارض المصالح: 
يعد تعارض  المصالح من أهم أسباب حدوث الأزمات، حيث يعمل كل طرف من أصحاب المصالح المتعارضة على إيجاد وسيلة من وسائل الضغط لما يتوافق مع مصالحه، ومن هنا يقوي تيار الأزمة.
لكل أزمة سبب نشوء فهناك: 
أزمات نشأت بسبب وباء مرضي.
أزمات نشأت بسبب تناقص وجود.
أزمات نشأت بسبب اختلاف الدين.
أزمات نشأت بسبب احتقان التاريخ بترسبات الماضي.
أزمات نشأت بسبب ثأر دولي.
أزمات نشأت بسبب نظام جديد لا يحسن السيطرة على وسائل القوة.

ويرى الباحث أن أسباب حدوث الأزمات متعددة، ومتجددة مع تجدد سبل الحياة، وعلى الباحث المدقق والإداري الناجح والخبير الممارس أن يكشف هذه الأسباب وأن يحدد جوانبها وأبعادها ويشخصها تشخيصاً جيداً حتى يتمكن من التعامل معها وإدارة الأزمة بنجاح.

أنواع الأزمات: 
إن فهم الأزمة – أي أزمة – وطريقة التعامل معها يعتمد بصورة كبيرة على درجة المعرفة بنوع وطبيعة هذه الأزمة.
وعلى الرغم من تعدد وتنوع الأزمات، والتي تحدث فيها الكثير من العلماء والباحثين في مجال علم إدارة الأزمات، إلا أن الواقع أن تصنيف الأزمات يعتمد في الأصل على الجانب الذي ينظر منه إلى الحادثة.
وممن تطرق لهذا التقسيم لأنواع الأزمات (الشعلان)، حيث انه يصنف أنواع الأزمات إلى ما يلي: 
من حيث طبيعة الحدوث: 
حيث قسمها إلى قسمين: 
أزمة بفعل الإنسان: وهي تلك الأزمات الناتجة عن فعل إنساني مثل: التهديد بالغزو العسكري، وعمليات الإرهاب... 
أزمة طبيعية: وهي الأزمة التي لا دخل للإنسان في حدوثها مثل: الزلازل، والبراكين، والجفاف.
من حيث المستهدف بالاعتداء: 
إقتداء على شخصيات.
اعتداء على ممتلكات.
من حيث الهدف: 
إرهاب الطرف الآخر.. كتفجير الطائرات دوت تحديد مطالب.
الابتزاز ..  كفرض مطالب معينة كشرط لإنهاء الأزمة.
   –  من حيث مسرح الجريمة:
أزمة خلقتها الظروف في مسرح الحادث كالذي يحدث عندما يطلب مختطف طائرة، الهبوط في مطار ما للتزود  
أزمة حدد فيها مسبقاً مسرح الحادث الذي وقعت فيه. 
  – من حيث المصدر: 
أزمة مصدرة كالذي يحدث عندما يتم تفجير معين في بلد ما لاعتبارات معينة لها أهميتها في بلد أخر.
أزمة لها جذورها  في بلد الحادث سواءًا كانت سياسية أو غيرها.
  – من حيث العمق:
أزمة سطحية غير عميقة هامشية التأثير.
أزمة عميقة جوهرية هيكلية التأثير.

  – من حيث التكرار: 
أزمة ذات طابع دوري متكرر الحدوث.
أزمة فجائية عشوائية وغير متكررة.
  – من حيث المدة:
أزمات قصيرة الأمد يتم إخمادها والقضاء عليها في مدة قصيرة.
أزمات طويلة الأجل وهي التي تستمر معالجتها لمدة طويلة.
  –  من حيث الآثار:
أزمات ذات أثار وخسائر بشرية.
أزمات ذات آثار وخسائر مادية.
أزمات ذات آثار وخسائر معنوية.
أزمات ذات آثار وخسائر مختلطة.
  – من حيث القصد:
أزمات عمديه تحبكها إحدى القوى وتنفذها لتحقيق أهداف معلومة.
أزمات غير عمديه، وإنما نتيجة إهمال وسوء تقدير.
أزمات قضاء وقدر، لا حيلة للإنسان فيها.
   – من حيث مستوى المعالجة: 
أزمة محلية تتعلق بدولة واحدة، أو منشأة بعينها، وتتطلب معالجة محلية.
أزمة إقليمية تتعلق بعدة دول في المنطقة، وتتطلب تنسيقاً إقليمياً لمواجهتها.
أزمة دولية تتعلق بعدة دول أجنبية، وتتطلب تنسيقاً وجهوداً دولية.

  –  من حيث المظهر: 
الأزمة الزاحفة: وهي التي تنمو ببطء ولكنها محسوسة، ولا يملك متخذ القرار وقف زحفها نحو قمة الأزمة وانفجارها.
الأزمة العنيفة الفجائية: وهي أزمة تحدث فجأة وبشكل عنيف، وتأخذ طابع التفجر المدوي.
الأزمة الصريحة العلنية أو المفتوحة: وهي أزمة لها مظاهرها الصريحة العلنية الملموسة، بحيث يشعر بها كل أطرافها منذ نشأتها.
الأزمة الضمنية أو المستترة: وهي من أخطر أنواع الأزمات وأشدها تدميراً للكيان الإداري، فهي أزمة غامضة في كل شيء سواءً أسبابها، أو عناصرها، أو أطرافها، أو العوامل التي ساعدت في ظهورها وتفاقمها.

أما الدكتور أحمد ماهر فقد قسم الأزمات كما يلي: 
  – الأزمات المادية، أو المعنوية: 
أ- الأزمات المادية:
 وهي أزمات ذات طابع اقتصادي، ومادي، وكمي، وقابلة للقياس، ويمكن دراستها والتعامل معها مادياً وبأدوات تتناسب مع طبيعة الأزمة.
ومن أمثلتها: 
انخفاض حاد في المبيعات.
إنتاج سلع فاسدة أو غير مطابقة للمواصفات.
أزمة الغذاء.
أزمة الديون.
أزمة الاقتراض من البنوك.
عدم توفر السيولة.
أزمة العمالة.
ب- الأزمات المعنوية: 
وهي أزمات ذات طابع نفسي، وشخصي، وغير ملموس، ولا يمكن الإمساك بأبعادها بسهولة، ولا يمكن رؤية أو سماع الأزمة، بل يمكن الشعور بها. ومن أمثلتها.
أزمة الثقة.
تدهور الولاء.
عدم رضاء العاملين واستيائهم.
يأس البعض.
تدهور الانتماء.
انخفاض الروح المعنوية.
  –  الأزمات البسيطة، أو الحادة: 
أ- الأزمات البسيطة: 
وهي الأزمات خفيفة التأثير، ويسهل معالجتها بشكل فوري وسريع.
 ومن أمثلة هذه الأزمات البسيطة: 
الإشاعات الداخلية المحدودة.
عمل تخريبي في بعض أجزاء الكيان الإداري.
إضراب عمال أحد الأقسام في الشركة.
وفاة مدير إدارة أو استقالته.
عطل في خط إنتاج.

ب- الأزمات الحادة: 
وهي الأزمات التي تتسم بالشدة والعنف وقهر الكيان الإداري للمنظمة وتقويض أركانه.
 ومن أمثلة هذه الأزمات الحادة: 
حريق لكل مخازن الخامات والسلع الجاهزة.
إضراب شامل لكل العاملين في الكيان الإداري.
اعتصام الطيارين في شركة طيران.
مظاهرات في كافة مدن الدولة.
اعتداء من دولة خارجية.
  -  أزمات جزئية، أو عامة: 
أ- أزمات جزئية: 
وهي أزمات تطول جزءاً من كيان المنظمة أو النظام، وليس كله، ويكون الخوف من أن استمرار الأزمة قد يمتد إلى باقي أجزاء النظام. 
ومن أمثلته ما يلي: 
حريق في أحد عنابر الإنتاج. 
اعتصام لبعض العاملين في أحد الأقسام.
تدهور العمل في أحد الأقسام.
انخفاض الروح المعنوية في إحدى الإدارات.
ظهور وباء في أحد المدن الصغيرة.
تسمم في إحدى المدارس.
ب- أزمات عامة: 
وهي أزمات تغطي كافة أجزاء الكيان ( سواءً كان شركة أو منظمة أو دولة )، وهو يؤثر على كافة أطراف النظام وأشخاصه، ومنتجاته.
 ومن أمثلته ما يلي: 
حريق يأتي على الشركة بأكملها.
تدهور حاد في إنتاجية المصنع.
إضراب عام لكافة الموظفين والعاملين في الشركة.
  – أزمات وحيدة، أو متكررة: 
أ- الأزمات الوحيدة: 
وهي أزمات فجائية، غير دورية، وغير متكررة، ويصعب التنبؤ بحدوثها، وعادة ما يكون هناك أسباب خارجة عن الإدارة هي التي تؤدي إليها.
 ومن أمثلتها: 
أمطار عنيفة أو جفاف يؤدي إلى خسائر.
حر شديد يؤدي إلى حرائق. 
سيول تؤدي إلى هدم منشآت.
أعاصير وصواعق.
ب- الأزمات المتكررة: 
وهي أزمات تتسم بالدورية والتكرار وتحدث في دورات اقتصادية ومواسم يمكن التنبؤ بها. وبالدراسة والبحث يمكن تحديد متى ستقع الأزمة ودرجة حدتها، وبالتالي يمكن السيطرة عليها، ومن أمثلتها: 
انخفاض الطلب على المشروبات في الشتاء.
أزمة عدم توافر القوى العاملة في مواسم الحصاد.
عدم الاحتياج للعاملين في شهور معينة دورياً.
كساد عال كل 10 سنوات.
أزمات الصقيع التي تهدد المزروعات. 


إدارة الأزمة: Crisis Management
يعد التعامل مع الأزمات أحد محاور الاهتمام في الإدارة، حيث أنه يقتضي وجود نوع خاص من المديرين الذين يتسمون بالعديد من المهارات منها الشجاعة والثبات والاتزان الانفعالي، والقدرة على التفكير الإبداعي والقدرة على الاتصال والحوار وصياغة ورسم التكتيكات اللازمة للتعامل مع الأزمة.
وفي هذا المبحث سيقوم الباحث بتوضيح مفهوم إدارة الأزمة مع الإشارة إلى أزمة الصواريخ الروسية في كوبا، ومقومات إدارة الأزمة، ومراحلها، و وسائل تحسين قدرة المجتمع أو الكيان الإداري في إدارة الأزمات.
وسيتحدث الباحث أيضاً عن معوقات عمل إدارة الأزمات، وسيقوم بتوضيح نموذج لإدارة الأزمة في المراحل المختلفة لإدارة الأزمة.

  – مفهوم إدارة الأزمة: 
مفهوم إدارة الأزمة يشير إلى كيفية التغلب على الأزمة باستخدام الأسلوب الإداري العلمي من أجل تلافي سلبياتها ما أمكن، وتعظيم الإيجابيات.
ويرجع أحد الباحثين أصول" إدارة الأزمة " إلى الإدارة العامة ( وذلك للإشارة إلى دور الدولة في مواجهة الكوارث العامة المفاجئة وظروف الطوارئ، مثل الزلازل، والفيضانات، الأوبئة، والحرائق، والغارات الجوية، والحروب الشاملة).
فإدارة الأزمات هي " نشاط هادف يقوم على البحث والحصول على المعلومات اللازمة التي تمكن الإدارة من التنبؤ بأماكن واتجاهات الأزمة المتوقعة، وتهيئة المناخ المناسب للتعامل معها، عن طريق اتخاذ التدابير للتحكم في الأزمة المتوقعة والقضاء عليها أو تغيير مسارها لصالح المنظمة".
ويرى بعض الباحثين أن إدارة الأزمة:" عملية إدارية متميزة لأنها تتعرض لحدث مفاجئ، ولأنها تحتاج لتصرفات حاسمة سريعة تتفق مع تطورات الأزمة، وبالتالي يكون لإدارة الأزمة زمام المبادأة في قيادة الأحداث والتأثير عليها وتوجيهها وفقاً لمقتضيات الأمور".
كما تعني إدارة الأزمة " التعامل مع الأزمات من أجل تجنب حدوثها من خلال التخطيط للحالات التي يمكن تجنبها، وإجراء التحضيرات للأزمات التي يمكن التنبؤ بحدوثها في إطار نظام يطبق مع هذه الحالات الطارئة عند حدوثها بغرض التحكم في النتائج أو الحد من آثارها التدميرية".
أما عبد الرحمن توفيق فقد عرف إدارة الأزمات بأنها:" فن القضاء على جانب كبير من المخاطرة وعدم التأكد بما يسمح لك بتحقيق تحكم أكبر في مصيرك ومقدراتك ".
وقال أيضا بأنها: " التخطيط لما قد لا يحدث ".

ومن خلال المفاهيم السابقة لإدارة الأزمة يمكن تحديد عناصرها فيما يلي: 
عملية إدارية خاصة تتمثل في مجموعة من الإجراءات الاستثنائية التي تتجاوز الوصف الوظيفي المعتاد للمهام الإدارية.
استجابات إستراتيجية لمواقف الأزمات.
تدار الأزمة بواسطة مجموعة من القدرات الإدارية الكفوءة والمدربة تدريباً خاصاً في مواجهة الأزمات.
تهدف إدارة الأزمة إلى تقليل الخسائر إلى الحد الأدنى.
تستخدم الأسلوب العلمي في اتخاذ القرار. 

  - أزمة الصواريخ الكوبية وتأصيل إدارة الأزمات: 
يقول هنري كيسنجر " إن التاريخ هو ذلك المنجم الزاخر بالحكمة الذي نجد فيه المفاتيح الذهبية لحل مشاكل عصرنا ، شريطة أن نعرف أين نضرب معولنا ".
لقد وجدت إدارة الأزمات في الممارسة منذ عصور موغلة في القدم. وكانت مظهراً من مظاهر التعامل الإنساني مع المواقف الطارئة أو الحرجة، التي واجهها الإنسان منذ أن جوبه بتحدي الطبيعة وغيره من البشر. ولم تكن تعرف آنئذ –  بطبيعة الحال – باسم إدارة الأزمات وإنما تحت مسميات أخرى مثل الحنكة الدبلوماسية، أو براعة القيادة، أو حسن الإدارة ....إلخ.
وكانت هذه الممارسة هي المحك الحقيقي لقدرة الإنسان على مواجهة الأزمات والتعامل مع المواقف الحرجة بما تفجره من طاقات إبداعه، وتستفز قدراته على الإبتكار.
لقد كانت إدارة الأزمات إحدى أساليب إدارة العلاقات الإنسانية على مستوياتها المختلفة منذ فجر التاريخ، وكانت القدرة على النجاح فيها امتيازاً غريزياً خص به الله –  سبحانه وتعالى – البعض من البشر دون البعض الآخر.
وكانت أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962م، باعتبارها النموذج الناجح" لإدارة الأزمات "، هي إشارة البدء لانطلاق الجهد الأكاديمي نحو تأصيل مبادئ" إدارة الأزمات "، وبها يؤرخ تاريخ دخول هذا المصطلح إلى قاموس العلاقات الدولية، وذلك عندما أطلق " روبرت ماكنمارا " وزير الدفاع الأمريكي في إدارة الرئيس كنيدي جملته الشهيرة " لم يعد هناك – بعد الآن – مجال للحديث عن الإستراتيجية، وإنما عن إدارة الأزمات فقط".
وقد جاء تعقيب ماكنمارا هذا نتيجة حماسه المفرط لنجاح الولايات المتحدة الأمريكية في إدارة هذه الأزمة، وليبرز أهمية إيلاء " إدارة الأزمات " قدراً أكبر من الاهتمام بحسبان ما كان يمكن للإخفاق في إدارة هذه الأزمة من التسبب في دفع العالم إلى هاوية الدمار النووي، حيث قدرت الخسائر المحتملة في هذه الحالة، وفي الأرواح فقط، ما بين 33 – 50 % من تعداد سكان المعسكرين المتنازعين، كما تراوحت فرص النجاح في إدارة هذه الأزمة بين 27 – 50 %.


- مقومات إدارة الأزمة: 
يقول الخضيري بأن التعامل مع الموقف الأزموي وإدارة الأزمة يتطلب استخدام عدة أساليب إدارية متقدمة تعمل على تحقيق المناخ المناسب للتعامل مع الأزمة، وفي الوقت ذاته تتيح لفريق التعامل مع الأزمات حرية الحركة بالكامل.
ومن هنا تحتاج إدارة الأزمات إلى احتياجات إدارية خاصة وأيضاً إلى مهارات إدارية خاصة، ومن هنا يطلق عليها البعض مصطلح الإدارة بالاستثناء Management By Exception حيث تخرج الأوامر الإدارية عن مسار الأوامر العادية، وعن الهيكل التنظيمي القائم وتصبح السلطات منزوعة ومسندة إلى فريق عمل Task Force لديه كافة الصلاحيات والمسؤوليات للتعامل مع الأزمة.
ويمكن أن نحدد أبرز مقومات الإدارة الفعالة للأزمات من خلال أدبيات الدراسة التي تطرقت لتلك المقومات فيما يلي: 
  – تبسيط الإجراءات وتسهيلها: 
لا يجوز إخضاع الأزمة للتعامل بنفس الإجراءات التقليدية، فالأزمة عادة ما تكون حادة وعنيفة، وأيضاً لا يمكن تجاهل عنصر الوقت الذي قد يؤدي تجاهله إلى دمار كامل للكيان الإداري الذي حدثت فيه الأزمة، فالأمر يتطلب التدخل السريع والحاسم من خلال تبسيط الإجراءات مما يساعد على التعامل مع الحدث الأزموي ومعالجته.
  – إخضاع التعامل مع الأزمة للمنهجية العلمية: 
لا يمكن التعامل مع الأزمة في إطار من العشوائية الارتجالية أو سياسة الفعل ورد الفعل، بل يجب أن يخضع التعامل مع الأزمة للمنهج الإداري السليم لتأكيد عوامل النجاح، وحماية الكيان الإداري من أي تطورات غير محسوبة قد يصعب عليه احتمال ضغطها، ويقوم المنهج الإداري على أربع وظائف أساسية هي: 
التخطيط. ب- التنظيم. ج- التوجيه. د – المتابعة.
 – تقدير الموقف الأزموي:
لابد أن يشمل تقدير الموقف الأزموي تحليلاً كاملاً لأسباب الأزمة وتطورها، وتحديد دقيق وشامل للقوى الصانعة للأزمة، والمساعدة لها، والمؤثرة فيها، ثم تقدير القدرات والإمكانات المتاحة لدى الجهة المسئولة عن إدارة الأزمة، وذلك من خلال جمع المعلومات الدقيقة عن أبعاد الأزمة، والتنبؤ باحتمالات تطور الأحداث وإمكانية السيطرة عليها.
  – تحديد الأولويات: 
بناءاً على تقدير الموقف الحالي والمستقبلي لأحداث الأزمنة، توضع الخطط والبدائل التي يتم ترتيبها في ضوء الأولويات التي تم تحديدها وفق معايير معينة .
  – تفويض السلطة: 
يعد تفويض السلطة " قلب" العملية الإدارية النابض، وشريان الدورة الدموية في إدارة الأزمات، ومن ثم ينظر إلى تفويض السلطة محور العملية الإدارية سواءً في إدارة الأزمات، أو في نطاق فريق المهام الأزموية، ويتطلب تفويض السلطات منح كل فرد من أفراد الفريق المناط به معالجة الأزمة السلطة الضرورية لتحقيق عمله المحدود، وفي الوقت ذاته على الفرد أن يعرف المهام والأنشطة التي يتوقع منه إنجازها.
 – فتح قنوات الاتصال والإبقاء عليها مع الطرف الآخر: 
تحتاج إدارة الأزمة إلى كم مناسب من المعلومات، وإلى متابعة فورية لتداعيات أحداث الأزمة، وسلوكيات أطرافها، ونتائج هذه السلوكيات، ومن ثم فإن فتح قنوات الاتصال مع الطرف الأخر يساعد على تحقيق هذا الهدف.
 – الوفرة الاحتياطية الكافية: 
الأزمة تحتاج إلى الفهم الكامل لأبعاد الموقف الناشئ عن التواجد في موقع الأزمة، كما تحتاج إلى الدعم المادي والمعنوي الذي يساعد على سرعة التصدي للأحداث، إضافة إلى ما يمتلكه القطاع الخاص من معدات وإمكانيات كبيرة يمكن توظيفها، والاستفادة من القوى البشرية المخلصة والتي من الممكن أن تساعد في عمليات إدارة الأزمة وإتاحة فرصة العمل التطوعي وفق أسس مدروسة.
 – التواجد المستمر في مواقع الأحداث: 
لا يمكن معالجة أزمة وهناك تغييب للمعلومات الخاصة بها لدى متخذ القرار، لذا فإن التواجد في مواقع الأحداث يأخذ أحد أسلوبين أساسيين هما: 
التواجد السري في موقع الأحداث.
تأمين تدفق كم مناسب من البيانات الكافية لمتخذ القرار في إدارة الأزمات.
 – إنشاء فرق مهمات خاصة: 
وهذه تفيد أكثر في الجوانب الأمنية، حيث أنه ونظراً لتباين الأزمات واختلاف طبيعتها فإن من الضرورة إنشاء فرق المهمات الخاصة وذلك للتدخل السريع عند الحاجة إليها، على أن تخضع هذه الفرق لتدريب خاص وعالٍ حسب نوع وحجم المهمة، كما يجب الاستفادة من الدول الأخرى وذات السبق في هذا المجال.
  –  توعية المواطنين: 
في الحقيقة لا يمكن مواجهة أي أزمة بفاعلية دون إعلام وتوعية المواطنين والمقيمين بالدور المطلوب منهم القيام به عند وقوع الأزمة، حيث أن وعيهم بالدور المطلوب منهم يؤدي إلى المساعدة في مواجهة الأزمة، مما يتطلب إعداد وتنفيذ خطط إعلامية وتوعوية في هذا الإطار، كما أنه يتطلب حملة إعلامية على كافة المستويات تستخدم كافة وسائل وأساليب الاتصال الجماهيري من أجل توضيح الإجراءات المستخدمة في مواجهة الأزمة والمساعدة التي ينتظر المواطنين تقديمها.
 - الخطة الإعلامية في الأزمة: 
تعد الخطة الإعلامية من أهم مقومات إدارة الأزمات، والضرورة تحتم وجود سياسة إعلامية قبل وأثناء وبعد الأزمة.
 ونظراً لما للإعلام من أهمية كبرى في إدارة الأزمات، ولأنه عندما يهمش الدور الإعلامي يكون لذلك انعكاس سلبي على عملية إدارة الأزمة، لذ يقترح إزاء ذلك تعيين متحدث رسمي على قدر من الكفاءة والتأهيل والخبرة بحيث يتولى الإدلاء بكافة التصريحات عن الأزمة.

– مراحل إدارة الأزمة:  Crisis Management Phases
تمر معظم الأزمات بخمس مراحل أساسية، وإذا فشل متخذ القرار في إدارة مرحلة من هذه المراحل فإنه يصبح مسئولاً عن وقوع الأزمة وتفاقم أحداثها.
 – اكتشاف إشارات الإنذار المبكر: Signal Detection
عادة ما ترسل الأزمة قبل وقوعها بفترة طويلة سلسلة من إشارات الإنذار المبكر: أو الأعراض التي تنبئ باحتمال وقوع الأزمة، وما لم يوجه الاهتمام الكافي لهذه الإشارات فمن المحتمل جداً أن تقع الأزمة، وبالإضافة إلى ذلك فإن كل أزمة ترسل إشارات خاصة بها، وقد يصعب التفرقة بين الإشارات الخاصة بكل أزمة على حدة، وعلى سبيل المثال فقد تكون الكتابة على الجدران أو في بعض الأماكن الخاصة مثلاً تعبيراً عن غضب في صدور بعض العاملين، أو ربما لا تحمل هذا المعنى إطلاقاً، وربما تعني زيادة عدد أعطال الآلات فجأة إشارة إنذار مبكر لعمليات تخريب داخلي متعمد، أو ربما تكون نتيجة لوجود عيوب في المواد تحت التصنيع.
وقد لوحظ أن المديرين بالمنظمات المستهدفة للازمات Crisis Prone على درجة عالية من المهارة في حجب إشارات الإنذار التي تتنبأ بقرب وقوع الأزمات، بينما يتوافر لدى المديرين في المنظمات المستعدة لمواجهة الأزمات Crisis Prepared مهارات عالية في الشعور بأية إشارات حتى وإن كانت خافتة والأسوأ من ذلك أن المديرين بالمنظمات المستهدفة للازمات لا يتعمدون حجب إشارات الإنذار فحسب ولكنهم يعاقبون حملة الأخبار السيئة، وشعارهم:
" No news, good news".
 – الاستعداد والوقاية: Prepatation / Prevention
يجب أن يتوافر لدى المجتمع الاستعدادات والأساليب الكافية للوقاية من الأزمات، ويؤكد ذلك على أهمية إشارات الإنذار المبكر، لأنه من الصعب أن تمنع وقوع شيء لم تتنبأ أو تنذر باحتمال وقوعه، إن الهدف من الوقاية يتلخص في اكتشاف نقاط الضعف في نظام الوقاية بالمجتمع، وهناك علاقة بين التنبؤ بالأزمات وبين الاستعداد والوقاية منها، إذ تعتبر الزلازل والحرائق والسيول وانهيارات المباني القديمة أهم الكوارث التي تتعرض لها الدول، حيث انعكس ذلك على خطط الاستعداد والوقاية التي يقوم بها الدفاع المدني، بما تتضمنه من تدريب للأفراد واختيار للمعدات وما إلى ذلك، ولكن تعرض المباني الحديثة متعددة الطوابق للانهيار لم يكن يدخل في دائرة المخاطر المحتملة، فعندما تقع الأزمة لا يستطيع سوى عدد محدود جداً من الناس أن يتصرف بهدوء وبكفاءة دون أن يكون مدرباً على ذلك، ولهذا السبب فمن الضروري تصميم سيناريوهات مختلفة وتتابع للأحداث لأزمة نتخيلها، واختبار ذلك كله حتى يصبح دور كل فرد معروفاً لديه تماماً.
 – احتواء الأضرار والحد منها: Containment / Damage Limitation
من سوء الحظ، بل إنه من المستحيل منع الأزمات من الوقوع طالما أن الميول التدميرية تعد خاصية طبيعية لكافة النظم الحية، وعلى ذلك فإن المرحلة التالية في إدارة الأزمات تتلخص في إعداد وسائل للحد من الأضرار ومنعها من الانتشار لتشمل الأجزاء الأخرى التي لم تتأثر بعد في المجتمع، وتتوقف هذه المرحلة في إدارة الأزمات على طبيعة الحادث الذي وقع، فعلى سبيل المثال نجد أن كارثة غرق عبارة، وغرقها السريع لم يجعل هناك أي مجال لحماية أرواح من غرقوا فعلا، كما في حال التعرض للعمليات الإرهابية يصعب أن نفعل شيئاً لتقليل التأثير الناتج عن الصدمة على نفوس أولئك الأشخاص.
ويعد تسرب المواد الكيماوية من أخطر الأزمات التي يمكن أن تعرض الناس والبيئة لمخاطر لا حدود لها، وإذا أخذنا تسرب الوقود من صهاريج شركات أنابيب البترول وما يترتب عليه من تشريد العديد من الأسر وإتلاف الأراضي الزراعية والمحاصيل، وكذلك تعريض العديد من القرى للحرائق وتهديد الأرواح والممتلكات والثروة الحيوانية، فإننا ندرك أبعاد أهمية احتواء الأضرار التي تنشأ عن مثل هذه الأزمات.
 – استعادة النشاط: Recovery
تشمل هذه المرحلة إعداد وتنفيذ برامج ( جاهزة واختبرت بالفعل ) قصيرة وطويلة الأجل، وإذا لم تختبر هذه البرامج مسبقاً فإنه يكون من الصعب الإستجابة ووضع الحلول المناسبة عندما تحتدم الأزمة، وتتضمن مرحلة استعادة النشاط عدة جوانب منها: محاولة استعادة الأصول الملموسة والمعنوية التي فقدت والملاحظ أن المديرين الذين يحددون مسبقاً العناصر والعمليات والأفراد، الذين يعتبرون على درجة من الأهمية للقيام بالعمليات اليومية يستطيعون إنجاز هذه  المرحلة بكفاءة.
 وقد ترتكب المنظمات المستهدفة للأزمات خطأً جسيماً بالتركيز على العمليات الداخلية بتجاهل تأثير الأزمة على الأطراف الخارجية أو تهتم بذلك في وقت متأخر، وعادة ما ينتاب الجماعة التي  تعمل في هذه المرحلة شيء من الحماس الزائد، حيث تتكاتف الجماعة وتتماسك في مواجهة خطر محدد ومهمة أكثر تحديداً.
 – التعلم: Learning
المرحلة الأخيرة هي التعلم المستمر وإعادة التقييم لتحسين ما تم إنجازه في الماضي، حيث أن التعلم يعد أمرا حيوياً، غير أنه مؤلم للغاية ويثير ذكريات مؤلمة خلفتها الأزمة.
ولكي يتعلم المرء فإنه يجب أن يكون على استعداد لتقبل القلق دون الاستسلام للفزع.
إن استخلاص دروس مستفادة من كارثة أو أزمة رهن بتوافر حس مرهف لدى الإنسان يجعله يقدر معاناة الغير ويتصور نفسه أو أحب الناس إليه يمرون بتجربة الغير.
والتعلم لا يعني تبادل الاتهامات، أو إلقاء اللوم على الغير وتحميله المسؤولية، أو البحث عن كبش فداء، أو إدعاء بطولات كاذبة.

وقد قام بعض الباحثين بتحديد مراحل إدارة الأزمة بشكل مختلف عما سبق...
فقد قسمها أحمد عز الدين إلى ثلاث مراحل: 
مرحلة ما قبل الأزمة: وهي المرحلة التي تنذر بوقوع الأزمة، وهي غالباً ما تكون مرحلة تتبلور فيها مشكلة ما، وتتفاقم حتى تنتج الأزمة عنها.
مرحلة التعامل مع الأزمة: وهذه المرحلة هي المحور الرئيس لمفهوم إدارة الأزمة حيث يتولى فريق الأزمة استخدام الصلاحيات المخولة له، ويطبق الخطط الموضوعة.
مرحلة ما بعد الأزمة: وهي المرحلة التي يتم فيها احتواء الآثار الناتجة عند حدوث الأزمة، وعلاج تلك الآثار يعتبر جزءً هام من عملية إدارة الأزمة.

كما حددها عليوه بأربع مراحل: 
المرحلة التحذيرية: تكمن أهمية هذه المرحلة في قدرة القيادة على استشراف واستكشاف كل الاحتمالات والمتغيرات التي قد ينجم عن وقوعها أزمة ما..
مرحلة نشوء الأزمة: إذا ما فشل صانع القرار في توقع حدوث أزمة فإن متغيرات هذه المرحلة سرعان ما تنمو وتتسع ويتعاظم خطرها.
مرحلة انفجار الأزمة: تبدو هذه المرحلة عندما يخفق صانع القرار في التعامل مع العوامل التي حركت الأزمة أو لم يستطع السيطرة على متغيراتها المتسارعة بحيث تصل إلى هذه الدرجة من الاستشراء.
مرحلة انحسار الأزمة: تتلاشى في هذه المرحلة العوامل المسببة للأزمة بحيث تعود الأمور إلى مرحلة التوازن الطبيعي قبل حدوث الأزمة، وتتميز هذه المرحلة بتوافر درجات عالية من الكفاءة والخطط بصدد التعامل مع الأزمات وصولاً لمرحلة التوازن.

 – وسائل تحسين قدرة المجتمع أو الكيان الإداري في إدارة الأزمات: 
يمكن للمجتمع أن يحسن من قدرته في إدارة المراحل الخمسة للأزمات عن طريق ما يلي: 
مرحلة اكتشاف إشارات الإنذار المبكر: 
ضرورة إنشاء أساليب لاكتشاف إشارات الإنذار للأزمات المحتملة.
فريق داخلي لاختبار الإجراءات المتبعة.
مكافأة مكتشفي ومبلغي الإنذار.
وصف الوظائف الرسمية المستخدمة في النظام.
هيكل للتقارير التي سيستخدمها مركز إدارة الأزمات.
إنشاء مركز لتلقي إشارات الإنذار.
نشر ثقافة تنظيمية مساندة لنظام كشف إشارات الإنذار.
مرحلة الاستعداد والوقاية: 
فحص للأزمات.
فحص روتيني وصيانة لكل المعدات.
إرشادات فنية رسمية، وإجراءات تستخدم أدوات إدارة الأزمات ( تحليل الخطر، شجرة المخاطر).
تحليل العوامل البشرية الخاصة بالمعدات ذات الخطورة.
التحكم في التحميل لمنع الزيادة.
إدارة النظام ومنع الإسراف.
مرحلة احتواء الأضرار والحد منها: 
الحصول على المعلومات اللازمة.
تحديث القدرات في مجال الاحتواء.
إختبار قدرات الاحتواء.
تنفيذ أسلوب الاحتواء.
تقدير ومكافأة محتوي الأضرار.
تخصيص الموارد لاحتواء الأضرار.
مرحلة استعادة النشاط: 
تحديد الأطراف المعنية الهامة لمرحلة استعادة النشاط.
تحديد المستوى الأدنى من المهام والخدمات والمنتجات المطلوبة لمزاولة الأعمال.
تدبير الموارد اللازمة لعملية استعادة النشاط بعد الأزمة واستعادة الثقة.
تحديد الاحتياجات الداخلية والخارجية.
تحديد وسائل استعادة الثقة بالنفس، ولو سببت الأزمة عزل جزء عن باقي وحدات المنظمة. 
تحديد أولويات للاحتياجات الأساسية.
تحديد أهم الأعمال المطلوبة لاستئناف النشاط.
تحديد التفاعل بين وسائل التقنية والمتطلبات البشرية في خطط استعادة النشاط.
مرحلة التعلم: 
ضرورة مراجعة الأزمات السابقة.
مراجعة أسلوب إدارة الأزمات بدون إلقاء اللوم على أحد.
المقارنة بين الأعمال التي تمت بصورة جيدة وتلك التي تمت بطريقة غير سليمة.
التعلم للأزمات الأخرى المحتملة.
عرض الدروس المستفادة بصورة رسمية.
إتباع أسلوب العصف الذهني والابتكار مع فريق مراجعة الأزمات.
استعادة وتذكر الأزمات السابقة بصورة دورية ( سنويا مثلاً ). 

 –  معوقات عمل إدارة الأزمات: 
رغم الجهد المتوقع من إدارة الأزمات إلا أن هناك عوامل عديدة تواجه هذه الإدارات بل وتواجه فكر إدارة الأزمة ذاته…….. منها: 
إدارة الأزمات هي إدارة مستقبلية تتوقع وتضع احتمالات لما قد يحدث وهو قد يكون مرفوضاً وعامل شؤم في نظر بعض القيادات التي تبدأ العمل بتفاؤل زائد.
إدارة الأزمات لا ضرورة لها في الوقت الحاضر.
نحن في بدء النشاط ولا نتوقع حدوث أزمات بالمعنى الذي يستدعي وجود إدارة للأزمات.
حجم منشأتنا كفيل بحمايتنا من الأزمات.
قيادات المنشأة من الكفاءات المشهود لها ولا نتوقع أزمات.
لابد أن نتفاءل بالمستقبل.
النشاط نجح فيه عديد من المنشآت قبلنا.
نحن نمشي على خطا مؤسسات ناجحة عديدة.
هناك من سينقذنا – كالحكومة بكل إمكاناتها – عند وقوع الأزمة.
موقعنا المختار سوف يحمينا من الأخطار.
الشائعات لن تؤثر على مكانتنا في السوق.
حتى الآن لم نتعرض لما يشكل أزمة فلماذا نتوقع الأسوأ؟.
وماذا تفعل إدارات الأمن والإنقاذ والمطافئ وغيرها من الإدارات الحكومية.
لا توجد أزمة طالما لم يقع أي نوع من أنواع الضرر.
ما هي الأزمة التي يجب أن نستعد لها الآن؟ ربما يقع غيرها.
الأزمة قدر لا يمكن رده... ألسنا مؤمنين بالله؟!
وإذا كانت أكبر مما قدرنا واستعددنا... ماذا نفعل؟
سوف تقع يعني سوف تقع.. إذا قدر لها ذلك – وحتى إذا استعددنا لها.
الأزمات التي وقعت لمنشآت أخرى سابقاً وقعت لظروف خاصة بهذه المنشآت، فلماذا نتوقع حدوثها لنا؟
هل يكفي شراء عديد من وثائق التأمين لتغطية كل أزمة متوقعة؟
أهم شيء حماية سمعة المنشأة ومنتجاتها، وما يأتي بعد ذلك لا أهمية له.

 –  نموذج إدارة الأزمة: 
قلنا سابقاً أن الهدف الأساسي من إدارة الأزمة هو منع حدوثها إن أمكن أو التقليل من آثارها إلى الحدود الدنيا.
ولتحسين قدرة الإدارة في التعامل مع الأزمة في كل مرحلة من مراحلها كان لابد من وجود عدد من المتطلبات التي تتوافق مع هذه المرحلة.
 – مرحلة ما قبل الأزمة ( اكتشاف الإشارات + الاستعداد والوقاية ): 
وفي هذه المرحلة تقوم بعض المنظمات بتخصيص الوقت والمعدات والقوى العاملة من أجل الاستعداد للأزمة وذلك من خلال عدد من المتطلبات التي تتوافق مع هذه المرحلة: 
إنشاء وحدة لإدارة الأزمات: 
وهذه الوحدة مهمتها التصدي للأزمات المختلفة، ويجب أن تعطى لها الصلاحيات الكافية للقيام بمهامها ومسؤولياتها، وأن يتم تنظيمها بشكل جيد" نظام المصفوفة "، وهو احد الأساليب الفاعلة لتصميم الهيكل التنظيمي ويتكون من وحدة دائمة يمكن تعزيزها بخبراء من الأقسام الوظيفية المختلفة، وتتميز بالمرونة وسرعة التكيف مع تغيير الظروف، وبمجرد تحديد وتعريف الأزمة ودرجة التهديد المصاحبة لها يمكن لمدير الأزمة أن يختار مع جميع الأقسام الوظيفية أفضل  الأفراد ذوي القدرة والمهارة اللازمة للتعامل مع الأزمة.
إنشاء فرق المهمات الخاصة: 
للتعامل مع كل أزمة حسب خصوصيتها وذلك للتدخل السريع عند الحاجة على أن تخضع هذه الفرق لتدريب خاص وعالٍ حسب نوع وحجم المهمة.
التدريب: 
يجب القيام بعقد دورات تدريبية متخصصة لكافة العاملين في إدارة الأزمات على أن يتم التركيز فيها على دورهم في إدارة الأزمة.
التطوع ومشاركة القطاع الخاص: 
يجب على إدارة الأزمة فتح القنوات مع القطاع الخاص للاستفادة من إمكانياتهم وقت الأزمات.
التوعية والإعلام: 
لا بد أن يتم إعلام وتوعية المواطنين بالدور المطلوب منهم القيام به عند وقوع الأزمة، وهذا يؤدي إلى المساعدة بدرجة كبيرة في مواجهة الأزمة، وهذا يتطلب إعداد وتنفيذ خطط إعلامية وتوعية في هذا الإطار قبل وأثناء وبعد الأزمة.
التعاون الإقليمي والدولي: 
مد جسور التعاون سواءً مع المؤسسات الإقليمية أو الدولية وذلك لتبادل المعلومات حول كيفية التعامل مع الأزمات ومدى إمكانية الحصول على مساعدات من هذه الجهات.
إعداد سيناريوهات الأزمة: 
يعتبر إعداد سيناريوهات لمواجهة الأزمة وتحديد الإجراءات اللازمة الإتباع لمواجهة التطور من الأمور الهامة والأساسية لنجاح خطة الأزمة، والسيناريو هو عرض لما يمكن أن يحدث من تطورات لأزمة معينة عن طريق الخيال  واستخدام أسلوب الانطلاق الفكري، ويتيح وجود سيناريوهات للأزمة تسهيل عملية اتخاذ القرار أثناء المجابهة، كما يفترض إعداد استراتيجيات في ضوء أفضل وأسوأ سيناريو وذلك لتحقيق الفائدة المرجوة من هذه السيناريوهات.
 – مرحلة التعامل مع الأزمة: 
وهذه المرحلة تعد الاختبار الحقيقي للخطط المعدة سلفاً وللتجهيزات المرتبة مبكراً وللتدريب الذي سبق قبل حدوث الأزمة، ولا ننسى هنا أن الأزمات ليست واحدة فلكل أزمة تكتيك معين لإدارتها والتعامل مع أحداثها إلا أن هذا الاختلاف لا يمنع من وجود قواسم مشتركة بين هذه الأزمات.
وفيما يلي بعض الجوانب التي يجب أخذها في الاعتبار أثناء هذه المرحلة: 
تنفيذ خطط الأزمات: 
  وهنا يجب على وحدة إدارة الأزمات وضع الخطط المجهزة سلفاً موضع التنفيذ والاستفادة من السيناريوهات التي تم إعدادها واختبارها في المرحلة السابقة ما قبل الأزمة، مع  ملاحظة أن بعض السيناريوهات قد يحتاج إلى تعديل تحتمه طبيعة الأزمة وتطوراتها المفاجئة، وهنا لا بد أن تتوفر في إدارة الأزمة المرونة والكفاءة، وضبط النفس، والموضوعية، والدقة.
قيادة مركز الأحداث: 
أو إنشاء فرق عمليات مصغرة قريبة من الحدث لمعايشة ومعرفة الأمور على حقيقتها بحيث تقوم برفع تقاريرها إلى إدارة الأزمات ... وتتلقى بالتالي التوجيهات حيال ما يلزم اتخاذه.
  المعلومات والاتصالات: 
  وحتى تنجح إدارة الأزمات في أعمالها لابد لها من تملك المعلومات الحقيقية وفي الوقت المناسب.
التعامل مع الإعلام: 
   يجب على إدارة الأزمة التعامل مع الإعلام لما له من دور بارز ومؤثر في تفاعلات الأزمة، لذا يقترح أن يتم تخصيص " متحدث رسمي" على قدر من الكفاءة والتأهيل والخبرة يقوم بالإدلاء بكافة التصريحات عن الأزمة، على أن يتم إعداد هذا التصريح من قبل فريق 
( إعلامي ، سياسي، أمني ) مختص لمراعاة كافة أصدائه وانعكاساته المحتملة.
أهمية الوقت: 
الوقت يعتبر حاسماً في مواجهة الأزمات بكافة أنواعها، لذا يجب على إدارة الأزمة كسب الوقت، واختيار الوقت المناسب للتحرك، وأن لا يفرض التوقيت من قبل الخصم، لذا يجب على إدارة الأزمة محاولة كسب الوقت لما له من تأثير على سير المواجهة واستغلاله طولاً أو قصراً بالشكل الذي يخدم ظروف المواجهة.
ضبط وتنظيم التداخلات: 
  يحدث في الغالب أثناء مواجهة الأزمات أن تتعدد التداخلات من قبل المسئولين والإدارات المعنية حيث يدلي كل بدلوه في اتخاذ القرار، لذا ينبغي توزيع الأعمال والمسئوليات والصلاحيات بين لجان إدارة الأزمة باختلاف مستوياتها – عليا، وسطى، فرق العمل التنفيذية – لذلك يقترح أن يرأس إدارة الأزمة أحد المسئولين من ذوي المراتب العليا، من أجل أن تذوب كافة التدخلات.
سرية المعلومات:
 يجب على إدارة الأزمة أن تحافظ على سرية العمليات والاتصالات لان التفريط في ذلك يؤدي إلى تدمير لكافة الخطط، ولكن يجب الأخذ في الاعتبار أن الإفراط في السرية يؤدي إلى حجب المعلومة، لذلك يجب على إدارة الأزمة تحديد درجات السرية وتصنيف المعلومات تبعاً لذلك ووفق معايير أمنية سليمة.
المصالح .. وضرورات الأمن: 
في الأزمات ذات الطابع الأمني يجب على إدارة الأزمة مراعاة مصالح المواطنين، و ملاحظة الشعور العام لهم، ومحاولة التوفيق بين ضرورات الأمن ومصالح المواطنين.
 – مرحلة ما بعد الأزمة ( استعادة النشاط + التعلم ): 
وإدارة الأزمة لا تتوقف بمجرد الانتهاء من الأزمة وإخمادها، وإنما تمتد إلى مرحلة ما بعد الأزمة، وهي المرحلة التي يتم خلالها علاج الآثار الناتجة عن الأزمة، وإعادة البناء لما تم تدميره، وإعادة ترتيب الأوضاع، بالإضافة إلى وضع ضوابط لعدم تكرار ما حدث، والاستفادة من دروس الأزمات لتلافي ما قد يحدث مستقبلاً، من خلال المحاور التالية: 
البناء وإصلاح الأضرار: 
وهي مهمة بالغة الصعوبة وقد تحتاج إلى أشهر بل إلى مدد زمنية قد تطول وفقاً لحجم الضرر والإمكانيات المادية والبشرية وإصلاح الأضرار قد لا يقتصر على النواحي المادية فقط بل يشمل أيضاً النواحي المعنوية التي كسرت لدى الرأي العام.
التقييم والدروس المستفادة: 
لقد برعت اللغة الصينية في نحت مصطلح الأزمة... إذ ينطقونه ( Ji – Wet ) وهي عبارة عن كلمتين الأولى تدل على ( الخطر ) أما الأخرى فهي تدل على ( الفرصة ) التي يمكن استثمارها، وتكمن البراعة في تصور إمكانية تحويل الأزمة وما تحمله من مخاطر إلى فرصة لإطلاق القدرات الإبداعية التي تستثمر الأزمة حيث تعتبر فرصة مناسبة لإعادة تقييم الخطط والإستراتيجيات وتحديد المسارات والوقوف على مواطن الخلل في الأداء وكوامن القصور والتقصير .. مما يتيح فرصة للتغيير والتطور.
إجراء الدراسات والأبحاث: 
نتيجة لوقوع الأزمة ينتج عن ذلك تراكم كم كبير من المعلومات والتي تعد كنزاً ثميناً للباحثين والمهتمين بحيث تعينهم في إعداد الدراسات والأبحاث ذات العلاقة بالأزمة، لذا ينبغي تشجيع الباحثين على الاستفادة من هذه المعلومات وتسهيل قيامهم بالأبحاث ودعمهم – معنوياً ومادياً- لإجراء دراساتهم.
وضع الضوابط لعدم التكرار: 
يعتبر تكرار الأزمة من أقسى ما تمر به المنظمات والأجهزة الأمنية نظراً لعدم الاستفادة من الأخطاء السابقة وعدم وضع الضوابط لعدم تكرارها، لذا ينبغي أن تأخذ إدارة الأزمة ذلك في الاعتبار، وان لا تكتفي بإخماد الأزمة، وإنما بدراسة أسبابها، والتعامل مع تلك الأسباب بموضوعية لمنع انفجار الأزمة من جديد.




الإدارة بالأزمات
management by Crisis

الأزمات – باستثناء أزمات الطبيعة – مثل الزلازل والعواصف، والبراكين، وحرائق الغابات الناجمة عن الصواعق.. الخ، هي فعل أو رد فعل إنساني؛ فعل يهدف إلى توقف، أو انقطاع نشاط من الأنشطة، أو زعزعة استقرار وضع من الأوضاع، بهدف إحداث تغيير في هذا النشاط، أو الوضع لصالح مدبره، وهو ما يعرف " بالإدارة بالأزمات". ومن قبيل ذلك سعي العاملين في مشروع اقتصادي ما إلى الإضراب عن العمل، من أجل زيادة أجورهم، أو المشاركة بنسبة في الأرباح، أو تكوين نقابة خاصة بهم، أو خفض ساعات العمل أو الحصول على غير ذلك من مزايا عينية وتسهيلات، أو محاولة رب العمل من جانبه طرد بعض المحرضين على الإضراب، بهدف تحقيق الانضباط.
 وقد تفلح محاولة أي من هذين الفريقين ( العمال أو أرباب الأعمال )، وهنا يقال إن تسبب أيهما في خلق " الأزمة " قد أفلح في تحقيق مراده، ونجحت محاولته للإدارة بالأزمات" management by Crisis "، وقد تفشل مثل هذه المحاولة، فيجد مدبر الأزمة نفسه وقد أصبح في مأزق حقيقي. وتمثل محاولاته للخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر الممكنة إدارة للأزمة  Crisis Management"" ، فإذا فشل الإضراب مثلاً في تحقيق أهدافه، ونجحت جهود المحرضين عليه في إقناع صاحب العمل بمجازاتهم في تحقيق أهدافه، ونجحت جهود المحرضين عليه في إقناع صاحب العمل بمجازاتهم بخصم بضعة أيام من أجورهم بدلاً من فصلهم، فإن ذلك في حد ذاته يمثل إنجازاً لهم في تحجيم خسائرهم ، أو نجاحاً في إدارتهم للأزمة.
بيد انه وإن كان المثال السابق يمثل نموذجا خاصاً بالجمع بين " الإدارة بالأزمات"، و "إدارة الأزمات" من قبل طرف واحد من أطراف الأزمة، فإن الحياة العلمية لا تفترض حتمية الربط بين هذين الأسلوبين من قبل جانب واحد، والمثال الأكثر شيوعاً هو قيام أحد أطراف الأزمة باستخدام " الإدارة بالأزمات"، يقابله لجوء الطرف الآخر المدبرة الأزمة ضده إلى أسلوب " إدارة الأزمات".
كما أنه على الرغم من أن النتيجة المفترضة نظرياً لتقاطع هذين الأسلوبين، أو للتفاعل القائم بينهما، هو أن يحقق أحدهما قدراً من المكاسب يعادل ما يتكبده الطرف الآخر من خسائر، أو ما يعرف" بالمباراة  ذات الحصيلة الصفرية " Zero-Sum- game   إلا أن الواقع العملي لا يحتمل دائماً مكسباً كلياً مقابل خسارة تامة، وإنما يحقق كل من الطرفين قدراً من المكاسب والخسائر المزدوجة. وفي المثال الذي سقناه آنفاً، فإن نجاح صاحب العمل في فصل العمال المضربين قد يؤدي إلى نقص في الإنتاج، أو إلى تكرار الإضرابات من جانب باقي العمال تعاطفاً مع زملائهم المفصولين، مما يهدد بتوقف نشاط المشروع الاقتصادي، كما أن نجاح العمال المضربين في الحصول على زيادة في أجورهم قد يدفع صاحب العمل إلى التنكيل ببعض متزعمي الإضراب، أو تشديد الجزاءات الموقعة على من يخطئ منهم.
وهناك بعض الأزمات التي قد تسفر عن فائدة مشتركة للطرفين، ولا يزال المثال السابق الرائد في التمثيل لهذا النوع من الأزمات، وذلك في حالة ما إذا ترتب على هذا الإضراب نجاح العمال في الحصول على زيادة في أجورهم، في مقابل العمل ساعات إضافية لزيادة إنتاجية المشروع.

 - مفهوم الإدارة بالأزمات: 
الإدارة بالأزمات تقوم على افتعال الأزمات، وإيجادها من عدم كوسيلة للتغطية والتمويه على المشاكل القائمة التي تواجه الكيان الإداري، فنسيان مشكلة ما، يتم فقط عندما تحدث مشكلة أكبر وأشد تأثيراً، بحيث تطغى على المشكلة القائمة، وهكذا يظل الكيان الإداري المهترئ يتعرض لأزمة تلو أزمة، وتتعاقب عليه الأزمات متلاحقة حتى يتم تدميره بالكامل. أو يهدي الله إليه من يأخذ بيده إلى بر النجاة.
ومن هنا يطلق البعض على الإدارة بالأزمات علم صناعة الأزمة للتحكم والسيطرة على الآخرين. والأزمة المصنوعة المخلقة، لها مواصفات حتى تبدو حقيقية، وحتى تؤتي ثمارها، وأهم مواصفاتها هي الإعداد المبكر، وتهيئة المسرح الأزموي، وتوزيع الأدوار على قوى صنع الأزمة، واختيار التوقيت المناسب لتفجيرها، وإيجاد المبرر والذريعة لهذا التفجير.
وللأزمة المصنوعة إيقاع سريع متدفق الأحداث، ومتلاحق التتابع، ومتراكم الإفرازات والنتائج، وكل منها تصب في سبيل تحقيق الهدف المراد الوصول إليه، فلكل أزمة مصنوعة هدف يتعين أن تصل إليه، وبدون تحقيق هذا الهدف لن يتلاشى الضغط الأزموي، أو يخف التأثير العنيف الصاخب لإفرازات الأزمة، وكذا لن تهدأ قوى صنع الأزمة أو تتراجع حتى تحقيق هذا الهدف.
ومن ثم وللتعامل مع الأزمات المفتعلة أو المصنوعة يتعين أن تحصل على إجابات سريعة ووافية عن الأسئلة التالية: 
كيف ظهرت الأزمة وتطورت أحداثها؟
من هم الأطراف الصانعة للأزمة سواء العلنيون أو الذين يعملون في الخفاء؟
لماذا تم صنع الأزمة في الوقت الراهن؟
ما الهدف الذي تسعى إلى تحقيقه قوى صنع الأزمة؟
ما المدى الذي لا يتعين أن تتجاوزه قوى الضغط الأزموي؟ وما هي المحاذير الموضوعة لكل منها؟ والحدود المتفق عليها بينها؟
وتقوم عملية الإدارة بالأزمات على خلق أزمة وهمية يتم من خلالها توجيه قوى الفعل السلوكي والاقتصادي إلى تكريس الأزمة، أو إلى سلوك معين بشأنها.
 وخير مثال على ذلك ما يعمد إليه بعض التجار من أصحاب الموقع الاحتكاري من خلق أزمات في بعض السلع من خلال تخزين هذه السلع وعدم عرضها بالسوق لتعطيش المستهلك لها، وإشاعة أن هناك أزمة شديدة في إنتاج هذه السلع، مما يدفع المستهلكين إلى البحث عنها بأكثر من احتياجاتهم، وهنا يقوم هذا التاجر بعرضها سرا لتحقيق أرباح طائلة.
ومثل هذا الأسلوب في الحقيقة يكون مدمراً للتاجر وللمنتج لهذه السلع، حيث يعمد المستهلك إلى البحث عن بديل متوفر، وقد يكون أفضل، كما يدفع هذا الوضع بعض المنتجين الجدد إلى الدخول إلى ميدان إنتاج هذه السلعة وتقديمها بشروط أفضل للمستهلكين... وهكذا.
وتستخدم الدول الكبرى الإدارة بالأزمات كأسلوب لتنفيذ إستراتيجيتها الكبرى في الهيمنة والسيطرة على العالم Globalization، ولتأكيد قوتها، وفرض إرادتها وبسط النفوذ وبشكل لا يفقدها أصدقائها ولتحييد أعدائها وتدمير مصالحهم، وفي الوقت ذاته لتقوية تحالفاتها القديمة.
 بل ولتحقيق أهدافها الخفية طويلة المدى التي لا تستطيع الإعلان عنها أو حتى مجرد التنويه عنها، وهو ما استخدمه أدولف هتلر عند اشتعال الحرب العالمية الثانية، تلك الحرب المدمرة التي كلفت البشرية 50 مليون إنسان قتلى حرب، فضلاً عن تكاليفها المادية الباهظة، وقد استخدم هتلر الإدارة بالأزمات ببراعة ودهاء شديدين، دون اعتبار لأي قيم أو مثل، لإيجاد المبرر، ولكسب التأييد الشعبي لغزو بولندا، وتحييد دول العالم أمام هذا الغزو، حيث بدأت الحرب من سبتمبر عام 1939 باجتياح القوات الألمانية حدود بولندا.
ولكن قبل الاجتياح تم افتعال أزمة ببراعة وحنكة، محورها تصوير الغزو الألماني على انه مجرد دفاع عن النفس ومرحلة تأديب لبولندا التي خانت المعاهدات وعلاقات حسن الجوار، وفي الوقت ذاته الوصول بالموقف العالمي إلى أزمة حافة الحرب.
وقد بدأت صناعة الأزمة في الليلة السابقة لقيام الحرب، حيث أخذت قوات العاصفة الألمانية النازية 12 سجيناً بولندياً من معسكر اعتقال بالقرب من برلين، وألبستهم ملابس الجيش البولندي، ثم أطلقت عليهم الرصاص وألقت بجثثهم في غابة على الحدود الألمانية البولندية، مع إضافة بعض المؤثرات لتصوير الموقف على أنه عملية قذرة عسكرية قامت بها بولندا ضد ألمانيا، ليتم عرضهم على مراسلي الصحافة الأجنبية، وتصويره على انه بداية غزو بولندي لألمانيا، وأن الحرس الألماني استطاع إحباط المحاولة وقضى على عدد كبير من الغزاة، وفي الوقت نفسه قامت قوات العاصفة بمهاجمة محطة إذاعية ألمانية على الحدود البولندية الألمانية وهي ترتدي ملابس الجيش البولندي، وتصطحب سجيناً بولندياً آخر، ثم قامت القوات بإطلاق الرصاص في كافة الاتجاهات، وقتل عدد من العاملين الألمان بالمحطة، وإجبار السجين البولندي على إذاعة بيان بقيام القوات البولندية بغزو ألمانيا، ثم هربوا تاركين الأسير البولندي جثة هامدة بعد أن أطلقوا عليه الرصاص، وأحد العاملين الألمان بمحطة الإذاعة مصاباً إصابة بسيطة ومغمى عليه من هول الصدمة، ليحكي عما شاهده من قيام الجيش النظامي البولندي بمهاجمة المحطة وقتل من فيها من الألمان أمام ممثلي الصحافة العالمية، وأمام جهات التحقيق الألمانية.
وبعد إتمام صنع الموقف الأزموي بنجاح، قام هتلر في الساعة العاشرة من صباح اليوم التالي، أول سبتمبر، مرتديا 
" المعطف المقدس"، بزيارة الرايخستاخ "البرلمان الألماني " وإلقاء كلمة قصيرة، قال فيها: 
" لأول مرة يجرؤ الجنود البولنديون النظاميون على مهاجمة وطننا، فقمنا منذ الساعة السادسة إلا ربعاً صباحاً بالرد على النيران. ومنذ الآن فصاعداً سنرد بالقنابل على القنابل".
وهكذا بدأت الحرب العالمية الثانية بأزمة مدبرة مفتعلة.
 وصناعة الأزمة هي في حقيقتها عملية جراحية جذرية في الكيان الإداري الذي صنعت فيه، وبهدف تأكيد وضمان استمرار المصالح الحيوية القائمة، وتدعيم قوى الاستقرار والتوازن المتواجدة، أو إيجاد قوى استقرار وتوازن جديدة. ومن ثم فقد تؤدي عملية صناعة الأزمة على المستوى الدولي إلى ابتلاع دول، وتفتيت إمبراطوريات، وتفكيك تحالفات وإقامة أحلاف جديدة، وضم أجزاء لدول أخرى، وإعادة رسم الخرائط السياسية، وإعادة ترتيب الأوضاع والقوى، وذلك كله من خلال عملية صنع الأزمة.
فعملية الإدارة بالأزمات أسلوب تتبعه المنظمات والشركات والدول والحكومات والعصابات، ويتسع مداه ويستخدمه الأفراد أيضاً، وهو أسلوب أدى إلى إسقاط حكومات، وإشعال حروب، وحصد آلاف من أرواح البشر، وتدمير آلاف الملايين من الدولارات.
وأوضح مثال على صناعة الأزمات ما تعرضت له السلطة الفلسطينية بعد فوز حركة المقاومة الإسلامية حماس في 25 / 1 / 2006م وتشكيلها الحكومة...
هذه الأزمة التي لما تنته بعد والتي أخذت أوجهاً متعددة ستتضح للقارئ جيداً بعد الانتهاء من قراءة الصفحات التالية.

 - صناعة الأزمة: 
الأزمة ليست فقط وليدة تفاعل ذاتي، وإنما أيضاً هي عملية يمكن صناعتها، وصناعة الأزمة تخضع لأساليب علمية تتولى خلق المناخ الفكري والظروف المناسبة لتفجير الأزمة المفتعلة، وتعبئة كافة الأدوات والوسائل الدافعة والمؤيدة والمحفزة لذلك.
وصناعة الأزمات فن مستحدث للسيطرة على الآخرين، وإخضاعهم وابتزازهم. 
ويتم افتعال الأزمات عن طريق برنامج زمني محدد الأهداف والمراحل التي يمكن توضيحها فيما يلي: 
  -  مرحلة الإعداد لميلاد الأزمة: 
ويطلق عليها البعض مرحلة التمهيد للأزمة، نظراً لأنها تقوم على تهيئة المسرح الأزموي لافتعال الأزمة، وإيجاد وزرع بؤرتها في الكيان الإداري، وإحاطتها بالمناخ والبيئة  التي تكفل نموها وتصاعدها. وأهم الخطوات التنفيذية التي تتم في هذه المرحلة ما يلي: 
استخدام الضغوط الاتصالية على الكيان الإداري وحلفائه لإفقاده توازنه، ودفعه رويداً رويداً إلى حافة الهاوية، ومن خلال حسابات الفعل وردود الفعل القائمة على دراسة متأنية لسيكولوجية متخذ القرار في الكيان الإداري المزمع إحداث الأزمة فيه.
تشويه حقيقة القائمين على الكيان الإداري وإطلاق الشائعات المبنية على حقائق جزئية، والأكاذيب المدعمة للشائعات،وتصويرهم على أنهم فاقدو الأهلية والرشاد، وأنهم خطر على الأمن والاستقرار، أو أنهم مجرمون خطرون على المجتمع الدولي والشعوب.
كسب المؤيدين لأي تدخل عنيف ضد الكيان الإداري، سواء من خلال الإعلام المكثف المصاغة والمعدة رسائله بشكل ممتاز، أو من خلال شبكة المصالح والارتباطات، أو من خلال تسريب المعلومات المغلوطة أو الحقيقية، أو هي جميعاً.

  -  مرحلة إنماء وتصعيد الأزمة: 
ويطلق عليها البعض مرحلة التعبئة الفاعلة والمكثفة للضغط الأزموي، وحشد كل القوى المعادية للكيان الإداري المستهدف نيله بالأزمات العنيفة، حيث يتم اصطياد هذا الكيان ووضعه في فخ 
الأزمة ومن خلال مجموعة متكاملة من التكتيكات يظهرها لنا الشكل التالي: 

شكل(2)
تكتيكات تصعيد الأزمة












المصدر: الخضيري، محسن أحمد، 2003م، مرجع سابق، ص (18).

وهي تكتيكات قد تستخدم في شكل بدائل، أو في شكل متكامل مع بعضها البعض، وفقاً لحجم الكيان الإداري المستهدف نيله بالأزمات، واستنزافه، وحله بشكل مخطط خبيث، وبشكل متصاعد متنام 
ويتم التصعيد بموجب ثلاثة تكتيكات خطيرة هي: 
تكتيك التصعيد الرأسي: 
وهي تقوم على الدفع المباشر لقوى صنع الأزمة وزيادة قدرتها وقوتها، وتكثيف تواجدها في منطقة صنع الأزمنة، و بشكل سريع متعاظم لتأكيد التفوق الكاسح لقوى صنع الأزمة ولعدم تمكين الطرف الآخر من التقاط الأنفاس، والرضوخ للتهديد الصريح العلني للقوة الضاغطة لقوى صنع الأزمة، وزيادتها ونموها ذاتياً مع الوقت.
تكتيك التصعيد الأفقي: 
ويقوم على كسب مزيد من الأصدقاء والحلفاء والمؤيدين لقوى صنع الأزمة، وانضمامهم لها في عملية زيادة الضغط الأزموي، واتساع وتوسيع نطاق المواجهة لتشمل مجالات جديدة ومناطق جديدة، وأبعاداً جديدة متسعة، تجعل من عملية مواجهة الأزمة عملية معقدة وصعبة تستنزف الكيان الإداري الذي تم صنع الأزمة لديه، وتقوض دعائمه وتهدم أركانه وبنيانه.
تكتيك التصعيد الدائري المتراكم: 
وهذا النوع من التكتيكات ذات الطبيعة الخاصة التي تستخدم في صناعة الأزمات بشكل فعال لزيادة الضغط الأزموي، وإرباك الطرف الأخر إرباكاً شديداً. حيث يتم التصعيد للأزمة باستخدام كافة الأدوات والوسائل، والتخفيف مرحلياً، والتصعيد بشكل كامل كما يوضحه لنا الشكل التالي: 

شكل(3)
طريقة التصعيد الدائري المتراكم








المصدر: الخضيري، محسن أحمد، 2003م، مرجع سابق، ص (19).

حيث يتم التصعيد بشكل متكامل ومتنام لفترة يعقبها مرحلة تجميد، وبعد التجميد يتم التصعيد مرة أخرى، وهكذا.
 وتستخدم هذه الطريقة في الأزمات الدولية ذات الطبيعة الخاصة، التي من خلالها يتم إرهاق وإرباك الكيان الإداري المستهدف نيله بالأزمة، وتخويخ هيكله، وضعضعة عناصره وإفقاده الثقة بقيادته، وفوق كل هذا إحداث حالة من التفسخ واليأس والإحباط وبشكل يدفع أفراد هذا الكيان إلى أعمال طائشة هوجاء، وتدفع بالقوى المعارضة الكامنة تحت السطح، أو تحت الأرض في الخفاء إلى الظهور العلني، والتحرك بشكل سريع ومؤثر لاستثمار الخلل في هذا الكيان، ومن ثم زيادة هذا الخلل وتوسيع نطاقه وإجبار الخصم على التقهقر والتسليم بالمطالب التي تطالب بها، والاستجابة لها بشكل كامل.
وأياً ما كان فإن عملية تصعيد وإنماء الأزمة يجب أن تدرس بعناية، وفي ضوء الحساب الختامي المتوقع لها، خاصة في إطار احتمالات قيام الخصم بتصعيد مماثل ومتقابل في هذه العملية.
 وفي هذه المرحلة يتم استخدام أدوات مادية ذات تأثير مباشر على التصعيد الأزمة، من خلال: 
قطع المساعدات وفرض الحصار الاقتصادي على الكيان الإداري، سواء كان دولة أو مؤسسة أو شركة، أو حتى أسرة، وإحداث إرباك مالي ونقدي وعيني، وإشعار كافة المستفيدين من هذه المساعدات بأهمية التخلص من الأفراد الذين يعارضون سياستنا، أو من القيادة التي استنفذت الغرض منها.
استخدام الوثائق والمستندات الحقيقية، أو ذات التزوير المتقن لتأكيد صدق الشائعات السابق إطلاقها في المرحلة الأولى، وتسريب بعض منها إلى أجهزة الإعلام الدولية الواسعة الانتشار.
افتعال الأحداث وتنميتها وتصعيدها بشكل كبير لإيجاد المبرر للتدخل العنيف ضد الكيان الإداري، أو ضد قيادة هذا الكيان.
 -  مرحلة المواجهة العنيفة والحادة:
وهي تلك المرحلة التصادمية بين الكيان المنشئ للازمة، والكيان المطلوب صنع الأزمة فيه أو له.
ويشترط لنجاح هذه المرحلة ما يلي: 
اختيار التوقيت غير المناسب للكيان الخصم المراد تحطيمه أو استنزافه بالأزمات. وعلى أن يمثل في ذات اللحظة الوقت المناسب لنا لافتعال الأزمة.
اختيار المكان غير المناسب للخصم، والذي فيه لا يستطيع السيطرة على الأحداث أو على تداعياتها، ويكون لنا فيه القدرة على توجيه الأحداث والسيطرة عليها.
اختيار المجال غير المناسب للخصم لإحداث الأزمة فيه، سواء كان هذا المجال اقتصادياً، أو سياسياً، أو اجتماعيا، أو ثقافياً... الخ، والذي نملك فيه القدرة على تحريك قوى الفعل وإدارة الأزمة.
ويشترط لنجاح التصادم حدوث حادث معين، يطلق عليه حادث ( × ) الذي يكون بداية الشرارة وانطلاق اللهيب، ويفضل أن يكون هذا الحادث طبيعياً عفوياً أو تلقائياً، فإذا لم يتوافر هذا الحادث، كان علينا أن نوفره، وبشكل يبدو تلقائياً عفوياً.
  -  مرحلة السيطرة على الكيان الإداري للخصم: 
وهي مرحلة الاستفادة من حالة انعدام الوزن لدى الخصم، وعدم قدرته على الحكم على الأمور، وتعرضه للاستهواء، ومن ثم من خلال العناصر التي تم زرعها لديه، والمحيطة به يمكن توجيهه بالشكل المطلوب، ومن ثم إفقاده القدرة على الرؤية الذاتية، وفي الوقت نفسه تخليه عن أهدافه الأصلية التي كان يتجه إليها، واستبدال هذه الأهداف بأهداف جديدة تتناسب معنا، بل وربطه بعلاقات تبعية يصعب عليه الفكاك منها، أو الخروج عنها، ما لم يتحمل تكاليف باهظة لا يقدر على دفع ثمنها.
  -  مرحلة تهدئة الأوضاع: 
وهي المرحلة التي يتم فيها تخفيض الضغط الأزموي، وإعادة الأوضاع إلى حالتها الطبيعية، واستخدام أساليب التعايش الطبيعي، والتخفيف من حدة التوتر القائم على الضغط الأزموي، والاستجابة الهامشية لبعض مطالب الطرف الثاني، والتي تكون بمثابة امتصاص لقوى الرفض والاستثارة الداخلية لديه، وفي الوقت نفسه إعطاء الفرصة كاملة للقوى المؤيدة لنا للسيطرة عليه، وإحكام عملية توجيه، وفي الوقت ذاته استخدام الحكمة الكاملة في امتصاص كل غضب جماهيري، والاستعانة بقادة الرأي والفكر المعتدلين والموالين لنا، وفي إطار حملة إعلامية مخططة ومدروسة جيدا، يتم إعادة الأمور إلى حالتها الطبيعية، بعد أن تم تكييفها بالشكل المناسب لمصالحنا ورغباتنا وأهدافنا البعيدة المدى.
  -  مرحلة سلب وابتزاز الطرف الآخر: 
ويطلق عليها البعض مرحلة جني المكاسب والغنائم والمغانم، والتي يتم فيها حلب الخصم كما تحلب البقرة الحلوب تماماً، وبالتالي يتم في هذه المرحلة حصد نتائج الجهود المثمرة التي تمت في المراحل السابقة، ويتخذ جني المكاسب عادة جانبين، هما: 
جانب سلبي في إجبار الطرف الآخر على الامتناع عن القيام بأي عمل من شأنه تهديد مصالحنا.
جانب إيجابي في إقناع الطرف الآخر بالقيام بعمل معين من شأنه تقوية مصالحنا ومكاسبنا. 
ومن هنا، فإن الإدارة بالأزمات هي افتعال الأزمات الحادة وليس علاجها.
 وتقوم عملية افتعال الأزمة على عدة قواعد أساسية، هي: 
خلق علاقة تبعية وانقياد وسيطرة على الكيان المزمع افتعال الأزمة فيه، حتى يمكن جني المكاسب المستهدفة من وراء افتعال الأزمة، وفي الوقت نفسه لضمان عدم اتساع رد الفعل إلى مدى وأبعاد غير مطلوبة.
زرع مجموعة عناصر موالية تتولى مواقع حساسة في أجهزة الكيان الإداري، يمكنها في الوقت المناسب إعاقة حركة الكيان، وتوجيه قادته، وتقليل رد فعل وبشاعة افتعال الأزمة.
اختيار التوقيت المناسب الذي يكون افتعال الأزمة مؤثراً فيه، وقدرة العناصر الموالية لنا على توجيه متخذ القرار وإفقاد التأثير الأزموي للازمة مرتفعة، ومن ثم القدرة على امتصاص التأثير الأزموي وابتلاعه.
إيجاد المسار البديل في شكل مصلحة جانبية يحرص الكيان الإداري على الحصول عليها، وفي سبيلها يمكن أن يتغاضى عن الأزمة التي تم افتعالها، أو يمكن للعناصر الموالية توجيه سلوكه بها.
افتعال الأزمة بشكل سريع ومؤثر، وجني مكاسبها وتحقيق الهدف منها، ثم عقد لقاء امتصاص مع متخذ القرار في الكيان الإداري الذي حدثت فيه الأزمة، وذلك بهدفين، هما: 
هدف خفي، وهو التحقق من النتائج التي أفرزتها الأزمة المفتعلة، ومن استقرار علاقة التبعية مع الكيان الإداري، وعدم تأثرها بالأزمة.
هدف علني، وهو امتصاص الانفعال، وتجديد الروابط، وتنقية العلاقات، وفتح صفحة جديدة، ونسيان ما مضى.
 وتستخدم في ذلك مجموعة إدعاءات ومبررات، من بينها: 
الشرعية. 
الاضطرار.
الحتمية.
التنبيه للخطر.
الحفاظ على الاستقرار.
الحفاظ على الأمن.
الحفاظ على السلام.
حماية النفس والدفاع عنها وعن المصالح.
ومن الجدير بالذكر أنه على مستوى الوحدة الاقتصادية يستخدم بعض متخذي القرار أساليب الإدارة بالأزمات بشكل متعمد، عندما يرغب في تحقيق أرباح طائلة وغير عادية، فيقوم باستغلال ما تتمتع به الوحدة الاقتصادية من مركز احتكاري بالسوق، ويقوم بتحجيم وتقليل المعروض من منتجاتها بالسوق، وتخزين جانب كبير من إنتاجها لتعطيش السوق، وافتعال أزمة لرفع أسعار المنتجات بالسوق، وخلق طلب مغالي فيه على السلعة التي تنتجها شركته، تدفعه للتخلص من المخزون الراكد والمعيب لديه. كما قد يستخدمها متخذو القرار بشكل تلقائي، حيث إنه كثيراً ما يواجه متخذ القرار في إدارته  للشركة التي يعمل بها أزمات مختلفة، ويجد نفسه محاطاً بوقائع وأحداث تبدو له خطيرة ومقلقة، ولا يستطيع تفسيرها ومعرفة عواملها الباعثة لها، وتراكماتها الذاتية، واتجاهاتها ونتائجها، ومن ثم يزداد أمامه سمك جدار عدم التأكد.
 ومن ثم في غياب منهج علمي ورؤية تحليلية متعمقة، يلجأ متخذ القرار إلى الارتجال واستخدام سياسة رد الفعل إزاء الحدث، أو الفعل الذي خيل إليه أنه سبب فيما يواجه الشركة من أزمات، فيؤدي إلى نشوء أزمات جديدة، قد تكون أشد خطراً وأعمق تأثيراً على الكيان الإداري أو الشركة التي يشرف على إدارتها.
 ونتيجة لسياسة الفعل ورد الفعل واستمرار التهميش للقضايا والمواقف، وتغييب المستقبل، والاعتماد على أسلوب الإدارة يوماً بيوم، أن استفحلت الأزمات، بل واستخدمت الأزمات كوسيلة لتغطية بعضها على بعض، ومن ثم اعتمد أسلوب الإدارة بالأزمات كأسلوب للإدارة، لتخفي به المؤسسات مشاكلها وعجزها عن تحقيق أهدافها الموضوعة والمتمثلة في: 
الربحية.
التوسع والنمو.
الاستمرار.
ويستخدم رجال الأعمال أسلوب الإدارة بالأزمات لفرض مصالحهم، وإملاء إرادتهم على الحكومات، وجعلها تستجيب لمطالبهم بطريقة غير مباشرة، ومن أهم الأمثلة على ذلك، أن أحد رجال الأعمال في الخليج تقدم إلى مركز للبحوث والإدارة بطلب دراسة جدوى لإنشاء حي سكني متكامل بعيداً عن المدينة، وأشار عليه المركز أن يبدأ بإنشاء الطريق وتوصيل المياه والكهرباء إلى الموقع، ولكن الرجل بعد أن استمع إلى هذا المشروع، عبث بلحيته وقال " أنا موافق على كل شيء إلا الطريق والمياه والكهرباء"، مما دفع الباحثين إلى السخرية، ومضى الرجل في البناء حتى انتهى منه، ثم مر على جميع الصحف المحلية فشكا لها من أنه أقام حياً كاملاً للتغلب على أزمة الإسكان، ولكن الدولة لا تريد الفراغ من استكمال المرافق العامة، فقامت الصحف بحملة هجومية على الحكومة من أجل هذا التقصير، وامتد الطريق ووصلت المياه والكهرباء، دون أن يدفع الرجل شيئاً.



نماذج من إدارة الأزمات في الممارسة العملية
المقدمة:
وجدت إدارة الأزمات في الممارسة منذ عصور موغلة في القدم. وكانت مظهراً من مظاهر التعامل الإنساني مع المواقف الطارئة أو الحرجة، التي واجهها الإنسان منذ أن جوبه بتحدي الطبيعة وغيره من البشر، ولم تكن تعرف آنئذ – بطبيعة الحال – باسم إدارة الأزمات وإنما تحت مسميات أخرى مثل الحنكة الدبلوماسية، أو براعة القيادة، أو حسن الإدارة... الخ، وكانت هذه الممارسة هي المحك الحقيقي لقدرة الإنسان على مواجهة الأزمات والتعامل مع المواقف الحرجة بما تفجره من طاقات إبداعه، وتستفز قدراته على الابتكار.
 هذه القدرات الخاصة جعل منها تشارلس رووتر في كتابه " فن الدبلوماسية "الأصل في نشأة الدبلوماسية بفرض مؤداه أن قبيلتين اقتتلتا زمناً طويلا، حتى أوشك الفناء أن يبيدهما معا، وفي هذه اللحظة الحرجة من تطور الإنسانية ينشط الذكاء العاطل، وتتفتق القريحة الخاملة عن حلول عبقرية تحت ضغط الحاجة إلي تحقيق المعادلة الصعبة، وهي تجنب الفناء، وتجنب الهزيمة في آن واحد، فاختارت إحدى القبيلتين من بين أبنائها أكثرهم حكمة، وأربطهم جاشاً وأوسعهم حيلة، وأوفدتهم إلى القبيلة الأخرى في أول مهمة سلام عرفها الإنسان، كان هذا الوفد يرتدي ملابس مزركشة زاهية الألوان، وقد تجرد أعضاؤه من الأسلحة التي اعتادوا حملها، وارتسمت علي وجوههم ابتسامات ودودة مسالمة، فأحجم أفراد القبيلة الأخرى عن الانقضاض عليهم، وتهشيم رؤوسهم بهراواتهم الحجرية، وأدركوا أن هؤلاء القادمين يختلفون عن غيرهم من المحاربين، ليس بالزى والملامح فقط، وإنما بالنوايا أيضا، وهكذا نجحت أول مهمة سلام في التاريخ.
وما يعنينا في هذا المثال: أن الجماعات الإنسانية قد اهتدت في وقت مبكر من تاريخها إلى أسلوب آخر، غير أن أسلوب الصراع البدائي يمكنها أن تستمر في تطورها من خلاله، وانه إذا كان مبدأ البقاء للأقوى، قد ساد المراحل من نشأتها، بحيث كان بعضها يتوقف علي فناء البعض الآخر منها، في نزاعها علي المراعي أو عيون الماء، فقد اكتشفت في مرحلة لاحقة أن اقتسام كسرة الخبز مع الغير أفضل من الصراع من اجل الاستئثار بها كلها، معرضة بذلك نفسها لخطر الفناء. 
أمثلة الأزمات كثيرة جدا.... 

ليست هناك تعليقات:

https://www.facebook.com/nasserhkhk/

التميز المؤسسي

اداره التميز المؤسسي  والمعيار الاوروبي EFQM ------------------------------------------ في الوقت الذي ظهر فيه ملامح الالفيه الثالثه من النظا...

https://www.facebook.com/nasserhkhk/